"استخلاص الدروس من كورونا"

 

طالب المقبالي
muqbali@gmail.com

يُقال رب ضارة نافعة، ويأتي الخير من قلب المُعاناة، وأمثال كثيرة تصب جلها في ذات المعنى.

وفي حديث للدكتور محمد راتب النابلسي يقول: ورد في كتاب "من خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم" (إنَّ هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح برخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببًا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليُعطي، ويعطي ليأخذ، ويبتلي ليجزي).

ومن هنا علينا أن نستخلص من هذه الجائحة دروساً لما بعدها، فالدروس عديدة، والعبر كثيرة تستحق التأمل والتفكر فيها.

فمن بين هذه الدروس عند وفاة قريب لصديق ما في بلاد تبعد عنَّا بمئات الأميال، قد كنَّا نتجهز ونعد العدة للسفر قبل الفجر لأداء واجب العزاء في ولاية من الولايات البعيدة، فنتكبد مخاطر الطريق ومشاقه، ونترك أعمالنا، وننفق أموالاً للوقود ولمستلزمات الطريق تصل إلى عشرات الريالات، كل ذلك من أجل أن نقول لصاحب العزاء (أحسن الله عزاءكم) وبعد 10 دقائق أو ربع ساعة بالكثير نستأذن ونبدأ في رحلة العودة الشاقة لنقطع مئات الأميال مرة أخرى، معرضين أنفسنا لمخاطر الطريق، ونرهق أبداننا، وفي صباح الغد نصبح في أعمالنا وأجسامنا مُرهقة، وقد لا نؤدي العمل كما هو مطلوب.

وبسبب هذه الجائحة، ومستلزمات التباعد والحجر المنزلي أصبح الهاتف هو البديل في أداء هذا الواجب والنفوس راضية بلا حرج، والعتب مرفوع بسبب مخاطر الإصابة بهذا الوباء، فلماذا لا تكون هذه الطريقة في أداء العزاء هي عادة دائمة، وهي الأسلوب الأمثل للتواصل ولأداء الواجب في هذه المُناسبة، وكذا الحال تماماً بالنسبة لمناسبات الزواج والأفراح، فلماذا لا يكون التواصل بالهاتف؟ هو الوسيلة السهلة والآمنة؟

أما الدرس الثاني الذي استخلصناه من جائحة كورونا كوفيد 19 هو التسوق عن بُعد، فقد فتح هذا النوع من التسوق أبواب الرزق للعديد من شباب وشابات هذا الوطن ممن كانوا بالفعل يُمارسون مهنة التجارة، وممن لم يسبق لهم ممارستها، وقد نجحوا.

كما فتح هذا النوع من التجارة المجال للشباب في مهنة التوصيل بين الولايات والمُحافظات.

أما الدرس الثالث، فعودة مناسبات الأعراس إلى البساطة والاقتصاد وعدم الإسراف بسبب غلق قاعات الأعراس وغلق صالونات التجميل التي كانت تثقل كاهل العروسين معاً، وكانت تستنزف كل مدخراتهما، وإن لم تكن لديهما مدخرات فستدرجهم ضمن قائمة المديونين في البنوك، كما كان لغلق المطارات والمنافذ الحدودية دور كبير في عدم تكبد الزوجين مصاريف شهر العسل في الخارج والاضطرار إلى الاستدانة من البنوك، فتوفير هذه المصروفات سوف يُساعد الزوجين على بناء منزلهما مبكراً ودون الحاجة إلى الاستدانة.

فقد كشفت الجائحة أنَّ هذه المظاهر كانت من أجل التباهي والمفاخرة لا أكثر، وقد أصبح الشباب يسارعون في الزواج خلال هذه الجائحة هرباً من تلك المصاريف التي أجبروا عليها.

الدرس الرابع: كانت المستشفيات مُكتظة بالمرضى، وبعد الجائحة خلت المستشفيات من المرضى ما عدا المصابين بوباء كورونا، فهل شفي النَّاس من أمراضهم التي كانوا يُعانون منها؟ أم أنَّ بعض ما يعانيه البعض هو أوهام وتفكير في الأمراض لا أكثر؟ أم أنَّ المرضى قد لجأوا إلى العلاج البديل المتمثل في الأعشاب والمستحضرات الطبية التي تحضر في المنازل؟

الدرس الخامس، يؤكد البعض أنَّ الجلوس في المنازل قد وفَّر الكثير من المصاريف التي تنفق في استهلاك الوقود، كما خفض من حوادث المرور وانخفاض عدد الوفيات والإصابات من حوادث الطرق.

كما أدى غلق المحلات إلى توفير الكثير من الأموال التي كانت تصرف في الكماليات غير الهامة.

وهناك دروس أخرى قد يأتي الحديث عنها والتطرق إليها في مقالات أخرى قادمة بإذن الله.