جابر حسين العماني
Jaber.alomani14@gmail.com
المتأمِّل في حياة الماضين من الآباء والأمهات، يرى التصرفات والأفعال التي كانوا يقومون بها خاصَّة جدا، لا يجوز إخراجها من بين جدران الأسرة؛ فهم لا يكشفون عن معلومات أو تفاصيل لجيرانهم أو معارفهم من غير الخواص المقربين، أما صورهم وزوايا بيوتهم فكانت من أهم الخصوصيات التي يجب الحفاظ عليها بين أفراد الأسرة الواحدة، بل كان من المعيب جدا إخراج ما يدور من قضايا أسرية خاصة.
أمَّا اليوم! فقد أصبح وأمسى معنى الخصوصية وأهمية الحفاظ على ما يدور بين أفراد الأسرة الواحدة مختلفا تماما، خصوصا ونحن نعيش ظهور وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي.
إنَّ علماء الاتصال اليوم يتحدَّثون بكلِّ صراحة عن مصطلح غريب لابد من الانتباه إليه وتفاديه في الداخل الاجتماعي، وهو ما يسمى بـ"التعرية الاجتماعية"؛ وهي: أن تكون الخصوصيات المنشورة الخاصة بالناس تبث عبر الإنترنت من خلال الشبكات العنكبوتية والاجتماعية؛ سواء كان المشتركون يعرفون ذلك أم لا.
هنا.. تكمُن المخاوف الحقيقية على الأسرة والمجتمع، وهو شيء مُخيف ومرعب يجب الانتباه له من قبل المستخدمين للشبكات العنكبوتية على الإنترنت خصوصًا، والجميع يلاحظ اليوم الاهتمام البالغ باقتناء الأجهزة الذكية كالهاتف النقال والآيباد والكمبيوتر، وانتشار الكثير من التطبيقات التي لا يحسن استخدامها الكثير من المستخدمين بالشكل السليم واللائق بالأسرة والمجتمع.
إنَّ المتأمِّل في زماننا الحاضر، يجد الكثيرَ من الخصوصيات الأسرية قد أذيعت، والكثير من الأسرار الخاصة التي ينبغي الحفاظ عليها قد أعلنت للقريب والبعيد والصديق والعدو، وأصبحت وأمست الخصوصيات الأسرية تُتناقل بسرعة الضوء بين أفراد المجتمع، بل وأكثر من ذلك! حيث أصبحت تلك الخصوصيات والأسرار الأسرية بمرأى ومسمع من العالم أجمع؛ وذلك من خلال المقاطع المصورة الخاصة بالأسرة التي أصبح العالم أجمع يراها ويتابع يومياتها، ويعلم ماذا يفعل أفرادها، وماذا يأكلون ويلبسون ويستخدمون، ومتى يستحمون ويتسوقون وكم صرفوا وبذلوا وتصدقوا!
إنَّ حفظ أسرار الأسرة وعدم إخراجها أمانة، وإفشاءها خيانة، والمتأمل جيدا في الأضرار التي تقع بسبب إفشاء ما يدور في داخل الأسرة يعلم حرمة إفشاء السر والآثار المترتبة على ذلك؛ فكم من أسر هدمت أركانها، واستبيحت حرماتها بسبب إذاعة ما فيها من تفاصيل صغيرة وكبيرة؛ لذا حذر الإسلام الحنيف من إظهار ونشر ما يكون في داخل نطاق الأسرة، خصوصا ما يكون بين الزوجين، فتلك خيانة لا يرتضيها الباري عز وجل، رُوِي عن النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ من شرّ الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سرَّ صاحبه".
إنَّ الإسلام لم يكتفِ بتعليم الأسرة، بل تعدَّى حدودها، مُنبِّها إلى أهمية حفظ الأسرار أينما كانت في المجتمع، فعلى الطبيب أن لا يفشي أسرارَ مرضاه من أسقام وأوجاع، وعلى مُغسِّل الأموات أن لا يخبر بما يراه على أجساد الموتى، وعلى العامل في المختبرات أن لا يفشي نتائج فحوصات الناس، وعلى الموظف في البنك أن لا يُذيع ويُفشي مقدار أرصدة الناس في البنوك، وعلى المحقِّق أن لا يُفشي أسرارَ من يُحقِّق معهم للناس، وعلى العالم أن يحتفظ بأسرار أبناء المجتمع صغيرهم وكبيرهم، روي عن الإمام جعفر الصادق -عليه السلام: "المجالس بالأمانة، وليس لأحدٍ أن يحدِّث بحديث يكتمه صاحبه إلَّا بإذنه، إلا أن يكون ثقة أو ذكرًا له بخير".
وأشارت إحدى الدراسات إلى أنَّ الهاتف والإنترنت في زماننا الحاضر أسهما كثيرا في إفشاء الكثير من الأسرار الأسرية والمجتمعية؛ سواء من النساء أو الرجال، وبناء على تلك الإحصائية فإن 25% من النساء اعترفن بأنهن غير قادرات على حفظ السر مهما كان خطره، واعترف بعضهن بأنهن لا يستطعن الحفاظ على السر أكثر من 38 ساعة.
وفي دراسة أخرى أقامتها إحدى شركات مستحضرات العناية بالبشرة، أجرتها على 3000 امرأة بريطانية، تبيِّن تلك الدراسة أنَّ واحدة من 10 نساء لم يستطعن الحفاظ على السر، وأن نصف عدد تلك النساء يشعرن بحاجة ماسة للبوح بما يدور في خاطرهن من أسرار، وتقول الدراسة إنَّ بعض النساء لا يبقى السر عندهن أكثر من 32 دقيقة، ويبقى أن هذه الدراسات قد تكون صائبة، أو مخطئة.
العاقل يعلم جيدا أنَّ المؤمنين بالله تعالى هم أكثر من يحافظ على أسرار الأسرة والمجتمع، وغير المؤمن هو من تعنيه تلك الدراسات والإحصائيات، فإن تلك الدراسات والإحصائيات تكشف بوضوح الخطر الذي يعيشه المجتمع الحاضر، خصوصا مع وجود انتشار شبكات التواصل الاجتماعي؛ لذا ينبغي على الأسرة والمجتمع الحفاظ على تفاصيل ما يدور فيهما من أحداث خاصة، واعتبار كل حدث من تلك الأحداث "سريا للغاية"، قال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" (الأنفال:27).