تنويع مصادر الدخل

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري *

لعلَّ من الدروس المهمة من جائحة كورونا، وانعكاساتها السلبية على كافة أوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي والصحي، خاصة فيما يتعلَّق بتدنِّي أسعار النفط ووصوله إلى الحضيض، أنَّ على دول الخليج الاستفادة من دروس الأزمة، والتفكير بجدية في مستقبل النظام الريعي المبني على عوائد النفط والغاز عبر 8 عقود، والمعتمد على تهميش دور المواطنين إنتاجيًّا وسياسيًّا كما أسلفنا.

على حكوماتنا إعادة النظر في نمط النمو الإنتاجي المهيمن والقائم على تدوير عوائد النفط واستقطاب المزيد من العمالة الكثيفة المتدنية (أجرًا وحقوقًا وكفاءة وتعليمًا وسلوكًا ووعيًا صحيًّا) إلى مفهوم جديد للتنمية الشاملة (الاجتماعية والثقافية والسياسية) والمستدامة، تكون قوة العمل المواطنة مرتكزها الأساسي، إضافة للعمالة ذات الكفاءة.

لا يُمكن للخليج الاستمرار في رهن اقتصادياته ومستقبله على مرتكزين خارجين متقلبين (غير مستدامين):

- الأول: الريع الناتج من عوائد بيع الوقود الاحفوري (النفط والغاز) الذي كُنا في الماضي نحذر من استنزافه؛ كونه مورداً ناضباً غير مستدام، وننادِي بترشيد استهلاكه وتصنيعه واستثمار عوائده في أصول باقية. القضية اليوم ليست الخشية من نضوب مصدر دخلنا الوحيد، وإنما (ضعف الطلب العالمي) عليه (نتيجة ظهور الكثير من البدائل الجديدة)، وتقلبات الأسعار التي زلزلت مُوازنات الدول الخليجية واضطرتها للاقتراض، كأحد الخيارات المُرَّة الأقل ضررا، طبقاً للخبيرالاقتصادي عامر التميمي.

- الثاني: قوة العمل الكثيفة (المتدنية أجراً) لكنها (مرتفعة كلفة) على الخدمات والمرافق العامة والبيئة والبلدية والنظم الصحية والإدارية.

لقد أثبتت تداعيات كورونا أنَّ الارتهان لمصادر خارجية للإنتاج، سياسة تنموية قصيرة النظر، محفوفة بالمخاطر.

لذلك؛ على حكومتنا تنويع مصادر الدخل والإنتاج، وتقليل الاعتماد على الريع النفطي تدريجيًّا، طبقاً لاقتراحات الخبراء الاقتصاديين الخليجيين من بدائل تنموية، وصناديق وطنية تدعم مشاريع وأنشطة إنتاجية متنوعة (صغيرة ومتوسطة) تُسهم في تعظيم الاقتصاد العام.

الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا، سيشهد تغييرات جذرية كبيرة، وعلى دولنا الاستعداد لها برؤى تنموية مغايرة، من أبرز أسسها (الاستدامة).. فما هي الاستدامة؟

إنها "الحلم" المشترك لكلٍّ من الاقتصاديين والبيئيين، أشبه بحلم "الخلود" لدى الإنسان؛ فالاقتصاديون يسعون لـ"التنمية المستدامة"، والبيئيون همهم "البيئة المستدامة"، وفي الحقيقة هما متلازمان، وقد كان هذا هو الهدف الأساسي لكاتبنا الخبير الاقتصادي الدكتور عمر هشام الشهابي، في تأليف كتابه المرجعي المتعوب عليه بحق "تصدير الثروة واغتراب الإنسان: تاريخ الخلل الإنتاجي في دول الخليج العربية" (مركز دراسات الوحدة العربية، 2018)..الاستدامة، كما يعرفها الشهابي تبعاً للجنة العالمية للبيئة والتنمية، هي "التنمية التي تعمل على تلبية حاجات وطموحات الحاضر دون الإخلال بالقدرة على تلبية حاجات المستقبل".

ولكن: ما قدرة النمط الإنتاجي الخليجي على الاستمرار، وتجديد نفسه، وخلق الشروط الأولية لتواصله؟

تساؤل يطرحه الشهابي موضحاً:

1- كون الاقتصاد الخليجي يقوم على سلعة وحيدة (الطاقة الأحفورية)، يفقده التنوع، ويجعله عرضة لمخاطر هزات تدهور الأسعار وانخفاض الطلب العام، وهذاماحصل إثر تداعيات كورونا.

2- وكونها سلعة ناضبة غير متجددة، يفاقم خطر عدم استدامته، وكل الاقتصادات المبنية عليه.

ما العمل؟

يرى الشهابي: أنه على الرغم من كون النفط مادة ناضبة، إلا أنَّ استثمار عائداته على نحو يجعل قيمتها تتجدد وتتكاثر؛ بحيث توزع هذه الاستثمارات على قطاعات متعددة، يجعل تفادي مخاطر نضوب النفط وعدم تنوع أنشطة الإنتاج مُمكناً، لتأمين استدامته على المدى البعيد. وكذلك فإنَّ في اقتصاديات المعرفة، والتوسع في استخدام التقنية المتطورة والنظم المتقدمة في عمليات الإنتاج، مخارج وحلولاً تضمن الاستمرارية الإنتاجية، والريع النفطي يوفر للخليجيين فرص إعادة تجديد عوامل الإنتاج بيسر، شريطة توافر الإرادة السياسية القوية، والإدارة الكفوءة، والعمالة ذات الكفاءة بديلا عن العمالة الكثيفة المتدنية.

وأخيراً.. بعد أزمة كورونا، علينا التفكير بجدية في اقتصاد لا يكون تحت رحمة الخارج، وأتصور أن الخليجيين يملكون القدرة على استخلاص؛ مما يجعل اقتصادهم أكثر تنويعاً واستدامة، ومستقبلهم أكثر أمناً وإشراقًا.

 

* كاتب قطري