احذروا المحتالين على الدولة والناس

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

لا تُصدّق كل ما تسمع، ولا كل ما تقرأ، ولا كل ما تراه بأم عينك، فالاحتيال على مشاعر النَّاس مهنة قديمة وأزليّة، هناك من يدّعي الفقر رغم غناه، ومن يدّعي العُسر رغم يُسر حاله، ومن يدّعي المظلومية وهو الظالم، فالعالم الماديّ الذي نعيشه حوّل بعض النَّاس عديمي الضمير والكرامة إلى مدّعين يعتاشون على عاطفة غيرهم، ويدغدغون مشاعرهم الإيمانية والإنسانية، وهم بذلك يقومون بما يقوم به اللص من سرقة، غير أنَّ اللص يسطو على مال الغير دون قناع، بينما يقوم هؤلاء المحتالون بالسطو وهم يلبسون أقنعة الفقر والعوز والحاجة والمظلومية.

رأيت- شخصياً- الكثير من المواقف التي أدْمَعتْ عيناي رحمة وشفقة بأولئك الفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم، ولا يمتلكون منزلا يأويهم، ولا يملكون ثمن الدواء الذي يشترونه من الصيدلية، وبكيتُ حين شاهدت عجوزا في السبعين من عمرها وهي تمد يدها طالبة المُساعدة وهي في ثيابٍ تكاد تفطر القلوب، ووقفتُ على من يدّعي أنَّه لا يملك منزلاً ولا مالا ليدفع إيجار منزله، وشاهدتُ رجلاً يبكي في إحدى الدوائر الحكومية بملابس رثّة طلبًا للمساعدة، وكنت أتعاطف معهم لدرجة عظيمة. غير أنني بعد السؤال عن أحوال هؤلاء وجدتُ العجب العجاب، فالعجوز التي ادّعت الفقر تملك ما لا يملك الكثيرون من المال والعقارات، والرجل الذي لا يجد قوت يومه لديه من الأبناء والمال ما يُغنيه عن مد يده، والشخص الذي لا يملك منزلاً عرفت فيما بعد أن لديه منازل مُؤجرة، والرجل الذي كان يبكي في الدائرة الحكومية يمتلك بنايات وعقارات تدر عليه عشرات الآلاف شهريا!

وبعد سلسلة طويلة من التجارب الحياتية توصلتُ إلى أن ليس كل ما نشاهده حقيقيًا، وأن ليس كل من يدّعي أمرا هو بالفعل صادق، فالمحتالون كثيرون، واستدرار عواطف الآخرين أصبح سلعة رائجة، بل إنها توسّعت وأصبحت أكثر شراسة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي حيث يدّعي البعض المظلومية وأن على الدولة أن تنقذه، وأنه يعيش في عالم من الجحيم، ويستدر بذلك عطف ومشاعر الناس، وتعاطف المُجتمع، بل ويبتز الدولة نفسها، فتهرع إليه الكاميرات والإعلام والمسؤولون وفاعلو الخير ومشاهير (السوشيال ميديا)، ويبدأون في استرضائه، وحل مشكلته التي ليس لهم يدٌ فيها، ثم يكتشفون بعد الرجوع إلى الحقائق، وبعد أن تهدأ عاصفة العواطف أن ذلك الرجل أو المرأة ما هم إلا نصابون أو محتالون يحاولون تهييج الرأي العام، وكسب تعاطفه، وينجحون في معظم الحالات لأنَّ المجتمع من حولهم مجتمع مسلم وعاطفي يُسارع ناسه إلى الخيرات، ويميلون إلى تصديق كل شيء دون تمحيص أو فحص، ويلومون الحكومة على تقصيرها، ويلقون بالسباب على المسؤولين لإهمالهم، ويكيلون الاتهامات إلى كل من تصله سهام نقده، ونسوا أنَّه ليس كل ما يُقال صحيحا، وأنَّ لكل قضية طرفين، وأنَّ القاضي العادل عليه أن يستمع إلى وجهة نظر الطرفين قبل إطلاق أحكامه، وقد قالت العرب قديماً: "إذا أتاك أحد الخصمين وقد فُقئت إحدى عينيه، فلا تقضِ له حتى يأتيكَ خصمه، فلعله قد فقئتْ كلتا عينيه".

إنّ مثل هؤلاء المحتالين يسيئون للدولة، وللمجتمع بصفة عامة، وتتحوّل قضاياهم المزيفة إلى قضايا رأي عام، وبذلك يثيرون عواطف الناس، ويشاهد قصتهم المكذوبة على (تويتر) أو وسائل التواصل الاجتماعي آلاف المتابعين من داخل وخارج السلطنة، ولا شك أنَّ هناك- من خارج السلطنة- من يتربّص ليرصد ويشيع إثارة الفوضى من خلال مثل هؤلاء الذين يبحثون عن المال وعن مصالحهم الشخصية حتى ولو كان ذلك على حساب سمعة الوطن، وأعتقد أن عقابهم أقرب من إرضائهم، إذا اتضح أنَّهم مخادعون أو كاذبون في ما يدّعون، ومعاملتهم تماًما كمعاملة المحتالين الذين ينصبون على الناس من خلال التعاملات الإلكترونية.

إنَّ ما نسمعه أو نقرأه أو نراه ليس هو الحقيقة دائماً، وأن التحقق من كل شيء قبل الحكم عليه هو الصواب الذي علينا أن نتبّعه، فالمحتالون، ومبتزو المشاعر في كل مكان، وهم ممثلون بارعون، يحاولون التأثير علينا بدموع التماسيح، ويعرفون أنَّ الكثيرين سيتعاطفون معهم، وبعد صيد الفريسة يبدأون في عرض طلباتهم، وإلى أن تنكشف أقنعتهم تكون الطيور قد طارت بأرزاقها!