الاقتصاد.. أولى الأولويَّات

د. أحمد بن عبدالكريم بن عبدالله

الاقتصاد هو كيفية الاستغلال الأمثل للموارد، وهو شُريان الحياة للأمم والشعوب، به يتحقَّق لها النمو والتقدم والرفاهية والاستقرار، وتلبية جميع احتياجاتها؛ حيث إنَّ الاقتصاد الناجح يعزِّز قيم الوقت والعمل والإتقان والإنتاج والعدل والمساواة والمحاسبة والوضوح والشفافية والمسؤولية والمصلحة الوطنية... وغيرها من قِيم الإيجابية والنجاح، إضافة للقيم الاجتماعية والثقافية التي تشجع على السعي نحو التطور والتفوق الاقتصادي، كما يعمل الاقتصاد على ديمومة وزيادة رفاهية المواطن والحفاظ على الاستقرار العام للدولة في شتى مجالات الحياة.

وهذا النجاح والتقدُّم الاقتصادي، ونموه المضطرد، سيؤدي حتماً إلى زيادة الدخل القومي الإجمالي ومتوسط الدخل الفردي ورفع مستوى معيشته، وكذلك التقليل من الآثار السلبية للكثير من المشكلات والمعوقات، وإيجاد الحلول والبدائل الناجعة لها. على سبيل المثال لا الحصر: المشاكل التي برزت جليًّا منذ بداية تداعيات أزمة تفشِّي فيروس "كورونا"، والتي أجبرت دول العالم الواعية على ضرورة إعادة ترتيب أولوياتها والاستفادة من تداعياتها؛ مما يستوجب على الحكومة الرشيدة زيادة الاهتمام والسعي الجازم والحازم نحو ترسيخ ووضع الاقتصاد ليكون خياراً إستراتيجيًّا و"أولى الأولويات" والثوابت في هذه المرحلة؛ بحيث يتمُّ تطبيق آليات الاستثمار الأمثل للموارد الاقتصادية الطبيعية وتنويعها، وإيجاد الكفاءات والقدرات الوطنية المخلصة المزودة بالمواهب والمهارات العالية لإدارتها، مُواكبةً لآخر المستجدات التكنولوجية والتقنيات العالمية الحديثة والبحث العلمي، وإعطاء كل ذلك جل الرعاية والاهتمام تنظيما وتخطيطا وتنفيذا وإشرافًا ومتابعةً ثم تقييماً؛ لأهميتها في توفير ورفد خزينة الدولة بالموارد المالية اللازمة لمقابلة المصروفات والنفقات الجارية والرأسمالية والاستثمارية؛ تماشياً مع تطبيق سياسات ومرتكزات رؤية "عمان 2040" من تعزيز فاعلية الحوكمة وسيادة القانون ورفع كفاءة الأداء للأجهزة والمؤسسات الحكومية، مع إيجاد نظام مساءلة فاعل؛ مما يمكّن ذلك من جعل عُمان في مصاف الدول المتقدمة حسب الإستراتيجية التي وضعتها الرؤية؛ حيث تعتبر هذه الأولوية حاجةً إستراتيجية وأساسية للرقي والنهوض بالسلطنة، التي تتطلب دعماً وإشرافاً متواصلاً من القيادة للتأكد من تنفيذ الخطط والإجراءات اللازمة حسب المتبع.

كذلك لا بد للحكومة من وضع العديد من السياسات والإجراءات الاقتصادية الناجحة، التي من شأنها تطوير البلاد، وتحقيق نهضة اقتصادية شاملة تضمن استدامة وتنمية أكثر توازناً للاقتصاد الوطني، ورفع معدل النمو الاقتصادي السنوي، وبناء قطاع خاص عُماني قوي، تقوم الحكومة بدعمه وتطويره، وزيادة الشراكة معه، ورفع من مستوى ملكيته للشركات والنمو لصالحه، والسير قُدماً في دعم سياسات الخصخصة الوطنية للشركات الحكومية التي لا تقوم بتقديم خدمات أساسية للمواطنين لمراعاة ذوي الدخل المحدود، هذا بالإضافة إلى التوجُّه نحو التملك الوطني لقطاع النفط والغاز والاستثمارات الخاصة بها، بعيدا عن الإستحواذات والمشاركات الأجنبية في قطاعات الاقتصاد الوطني المهمة والإستراتيجية إلا في أضيق الحدود، والاعتماد بشكل أكبر على الاستثمارات والخبرات الوطنية، مع ضرورة دعم وتشجيع قطاع الصناعة في الدولة من خلال زيادة النشاط الصناعي في المناطق الصناعية ومناطق التجارة الحرة وتوفير التمويل اللازم له.

والعمل بحرص على زيادة الإنفاق في مجالات التنمية المختلفة حتى تتمكن الحكومة من بناء اقتصاد وطني منافس وقوي؛ ليتم بعد ذلك تشجيع دخول الاستثمارات الأجنبية خاصة في مجال الصناعات التصديرية.

وبالتالي؛ فإنَّ الحكومة لن تتمكَّن من إحداث أي تحوُّل اقتصادي ناجح، من "اقتصاد ريعي" قائم على موارد اقتصادية محدودة مُهدَّدة بالنضوب والانهيارات السعرية المتكررة والتحكم الخارجي في أسعارها، إلى اقتصاد أكثر تنوعاً وقوة وأسرع نموًّا، إلا من خلال إستراتيجيات وسياسات فاعلة، ترتكز على إعادة الهيكلة الاقتصادية والإسراع في تنفيذ آليات وطرق الاستثمار الأمثل للموارد والقطاعات الاقتصادية المهمة في الدولة، مع الاستمرار بالاستثمار في تنمية البنية الأساسية من طرق وماء وكهرباء ونقل واتصالات وتكنولوجيا ورفع مستوى جودتها، وكذلك الاستفادة من قطاعات وطنية ذات ميزة تجارية تنافسية كالتعدين والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية واللوجستيات، إضافة للسياحة والخدمات.. وغيرها من المجالات ذات الصلة بدعم هذا التوجه.