لنفتخر بالمهندس العُماني

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

الهندسة والمهندس قد يَكُونَان ذلك الجزء الأقرب تشبيهاً بالماء الذي يدخل تكوينًا وحاجة في كل شيء في الحياة، ولعلنا اليوم نذهب بعيدًا لأصقاع الأرض لنرى آثارًا ومدنًا وطبيعة رائعة بل وحتى سلوك الحياة اليومية، وفي مختلف المدن حول العالم، ولم نحدد الفكر فيمن جعل هذا النمط والشكل والمتانة أو الجمال.. إنه مهندس، أو مجموعة مهندسين من البشر، ولم يكن للمالك إلا الفكرة، وكذلك الآلات والمعدات والطرق، والكثير الذي لا يُمكن حصره كان أساسه هندسة.

الحضارات القديمة والحديثة خلدت أسماء ومشاهير في عالم الهندسة، أما اليوم فإنني أذهب بعيدًا في نظرتي لقيمة المهندس، وإنني لأرى أن واحدًا من أهم أسباب التقدم، بل والنجاح الاقتصادي والحضاري، في أي دولة، هو ليس المهندس، بل المعنيون بالأمر: أين يضعوا وكيف ينظروا الى المهندس وقيمته ومن هو في واجهة المهندسين هل من هو المعني بالوطن الذي يعرف تماماً وطنه وما له وما عليه، أو هو ذلك المهندس الوافد الذي يُؤدي واجبه في إطار اقتصادي محدد وحسب، ويرتبط عمله بشركات ومقاولين قد لا يكونون من نفس الوطن، ولما لذلك من نتائج قد لا تكون مجدية ومفيدة في بعض الأحيان.

وفي هذه المرحلة المشرقة من عُمر الزمن الذي وضع فيه وطني العظيم عُمان لم أجد أفضل منها وقتاً للكتابة، وفي الأماني المفتوحة والطموح الكبير والفضاء الرحب الذي لا سقف ولا حدود له أفضل منه وفقط لسبب محدد وحاسم وهو أن للكلمة معنى بالاستماع لها ودراستها، والأخذ بالمفيد منها، وهذا أمرٌ عظيم ومشرِّف في تاريخ البشرية والأوطان؛ فالحمدلله على آلائه ونعمه وفضله.

أتمنى أن يقرأ وطني هذا الأمر كفكرة وتوضيح من غيورٍ على مستقبل وطنه ومقدارته في وضع المهندس العُماني، لا لعدم وجوده ومستوى عمله وأدائه؛ فهذا الأمر مؤكد أنه قائم ولكن الأمر ليس في التواجد، فواجهة القيادة والمسؤولية والأداء الفعلي وفي أدق الأمور وجلها والعائد الاقتصادي وكذلك الخسائر المالية الكبيرة في حال عدم وجود الأمور بيد المهندس العُماني.

لو أنَّ جهاز الرقابة الإدارية والمالية للدولة جلس مع أحد أصحاب المعالي الوزراء أو شركة حكومية، أو جهة مدنية أو غير مدنية في الدولة، وطلب بالأرقام والحقائق نتائج خمس سنوات ماضية من الأداء في هذا الجانب، وكانت الأسئلة على الشكل التالي: كم مهندس في هذه المؤسسة؟ وما هو تأهيلهم وتخصصهم وتوزيعهم؟ وما هو مجموع ما تم صرفه ومجموع ما يُصرف عليهم؟ وفي هذه المدة من الفترة المحددة للسؤال. وبالمقابل: كم المبلغ الذي تم صرفه على الخرائط والدراسات والاستشارات والمراقبة من خلال المكاتب الاستشارية التجارية؟ وما هي أثمان سرية العمل وتأهيل المهندس العُماني التابع لهذه الجهة؟ والأهم من كل ذلك: ماذا لو كان المهندس العُماني هو الواجهة والغيور على مؤسسته ووطنه؟ وهو من كان أساس الفكرة وهو من رسم الخرائط وأعلم وأدرى بأدق تفاصيلها، وبما تريد هذه المؤسسة الوصول إليه في نهاية الأمر؟ أم أنَّ المهندس العُماني هو المشرف على المشرف، والمراجع على المراجع بإضافة بعض الحروف أو الخطوط أو إلغاء شيء منها؟ أي أنه ثانوي وحسب. لكن السؤال الأهم من أي سؤال: هل تم إعطاء هذا المهندس فرصة العمل والثقة به وتوفير ما يحتاج إليه لأداء واجبه؟ وأقسم لكم -وعن تجارب فعلية- أنَّ العُماني -وفي أي جهة أو صفة أو مستوى أو مسؤولية مهما كانت معقدة أو صعبة أو متعبة- فإن الوهلة الأولى عليه أو على من هو مسؤول عنه ستكون مُزعجة، لكن عندما يبدأ فإنني أقول لكم جميعاً إنَّ نتائج عمله باختصار كبير مذهلة ورائعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ومن يرى منكم أمراً كهذا لا أطلب منه ألا يعطي العُماني الثقة والدعم وليرى النتائج وسيتذكر ما أقول.

ذكرت في مقال سابق فقرة تقول: أيُّها المسؤول، بماذا تفتخر عندما تذهب إلى البيت وتتذكر ما قدمت للوطن، فاذا كنت تعتقد أن هذه الحديقة أو هذا المبنى أو هذا الطريق أقيم في عهدك وحسب، فعليك أن لا تفتخر بذلك، نظرا لأنَّ الدولة وفرت لك المال والرجال وكل ما يلزم، وهذا يُحسب في خانة فخر الوطن بشكل عام؛ كإضافة مهمة له ولمن فيه. أما فخرك الحقيقي وشعورك بالرضا فهو أن تقول إن هذا كان يُبنى بمليون مثلا واستطعت أن أنفذه بنفس المواصفات بنصف مليون، ذلك أن أبنائي هم من سهروا الليالي ورسموا الخرائط وأشرفوا عليه وقننوا وحافظوا على الكثير من موارد الوطن وهذا مثال لا حصر.

أخيراً.. فإني ألتمسُ من المعنيين -وعلى المستويات الكبيرة في الوطن- أن تُشارك الوزارات وكل الجهات المنفذة لأي عمل ودون استثناء، واستبعاد ما يُسمى بالسيادية؛ فلا سيادة على الوطن إلا من قيادة الوطن؛ فقد تكون بعض المسميات أو التشريعات مظلات لجوانب هي بحاجة لمراجعة ومتابعة ومشاركة في الرأي؛ لما لذلك من فوائد عُليا لعُمان، وكما أذكر دومًا فإنني لا أدَّعي المعرفة المطلقة بكل شيء، إنما أفتح مجالا للمتخصصين في الجوانب التي أكتب فيها محبة وافتخارا بسلطاني المعظم وأمي عُمان.