سعيد بن حميد الهطالي
ثمَّة أقدار محتومة قد تضع الإنسان في مجابهة أخطارٍ لا تملك الرغبة البشرية لدفعها اختيارا، وأقدار غير حتمية قد تمنحه خيارات مُتعددة، وأخرى قد لا تمنحه سوى خيار واحد تلزمه به، وتدفعه مضطرا إلى اختياره.. وقد يكاد يكون ذلك القرار مؤلماً وقاسياً يختل بسببه توازن حياته، وتترتب على اتخاذه بعض التنازلات أو التضحيات التي لا بد منها برغم مرارتها لكن كما يقال: "المضطر يركب الصعب".
مثال على القرار الاضطراري، وكما يقال- للضرورة أحكام: ما قامت به الحكومة من الإجراءات التصحيحية القاسية التي اتخذتها لمُعالجة الآثار الاقتصادية الفادحة والمتعددة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا وتداعياتها، وتراجع عائدات النفط التي كانت برغم صعوبتها ضرورية لإنقاذ الاقتصاد الوطني واعتماد برامج الإنعاش الاقتصادي، وإقرار عدد من الخطوات الهادفة في سبيل تحقيق الاستدامة المالية والنهوض بالحياة من جديد.
كذلك قرار إحالة كل موظف قد أكمل 30 عاماً للتقاعد الإجباري الذي جاء ضمن توجه الحكومة في المضي قدماً إلى خيارها الاستراتيجي "لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين، وآليات وبرامج العمل".
وهو بلا شك من القرارات المؤلمة والمفاجئة التي وجدت معارضة نفسية كبيرة من قبل بعض الموظفين ممن شملهم قرار التقاعد بحكم عدم اتفاق القرار مع خططهم الشخصية التي رسموها قبل إكمال سنوات مسيرة عملهم الوظيفي كالالتزامات المالية ونحوها، إنما اتفق ذلك القرار مع خطط الحكومة وتوجهاتها، ومقتضيات المرحلة المقبلة وما يتخللها من تغيير وإصلاح وتحديث يتناغم مع رؤية عمان 2040.
ورافق تلك القرارات الصعبة والاضطرارية التي اتخذتها الحكومة لاحتواء الوباء والتقليل من عدد الإصابات هو اتخاذ العديد من الإجراءات الاحترازية خلال الأشهر الماضية منذ بدء الأزمة كإغلاق الأنشطة التجارية، ودعوة النَّاس للتقيد بالتباعد الاجتماعي وإلزامهم بالبقاء في منازلهم فبذلك قد قامت بدورها على أكمل وجه فلم تألوا جهدا من توعية المواطنين والمقيمين بمخاطر المرض، واتباع الإجراءات الوقائية. وبعد قرار تخفيف الإجراءات، ورفع الحظر عن بعض المناطق، والأنشطة التجارية لأجل عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي قد أشركت المواطن، ووضعت ثقل ثقتها بوعيه وألقت الكرة بملعبه ليكون هو صاحب الاختيار والقرار ليثبت أنه قدر الثقة والمسؤولية التي أشرك بها، إنما للأسف الشديد فما جرى في ظل ارتفاع حصيلة الإصابات،والوفيات يوحي بخلاف ذلك، وينذر بالمزيد من الضحايا.. في حال استمرار الاستهتار بالتعليمات.
إجمالا.. قد تترتب آثار ونتائج لكل عملية اختيار قد تتم بكامل إرادة الشخص يكون لها تبعاتها التي قد تقصر أو تطول عبر مراحل الزمن، وعليه أن يتحمل مسؤولية ذلك الاختيار، ويتقبل نتائجه ما دام أنه قد اختاره بإرادة حرة. ولذا ينبغي على الإنسان أن يراجع اختياراته قبل اتخاذ القرار، ويتعامل مع الحياة بفكر منهجي يمكّنه من وضع رؤية استراتيجية يربط فيها أهدافه الشخصية ويحدد أولوياته ويرى من التحديات فرصاً سانحة لتوسيع مدارك تفكيره، ومهارات إدراكه وتنوع وجهات نظره وتعدد زوايا رؤيته بصور مختلفة وباحتمالات متعددة ليستطيع الذهاب من خلالها بعيداً إلى ما وراء الأشياء القريبة، ليقفز بذاته إلى المُقدمة، متخطيا فيها حاجز الاختيارات الخاطئة المتكررة، ليبحر بسفينة حياته إلى بر الأمان.