التحديات التي تواجه عمان (11)

 

الصادرات والتنمية الاقتصادية

مرتضى بن حسن بن علي

الصادرات العمانية غير النفطية ضيئلة جدا، وهي من التحديات التي يعاني منها الاقتصاد العماني،بجانب التحديات الأخرى. وبسبب استيراد عمان معظم احتياجاتها من الخارج، والممولة من إيرادات النفط والغاز، فإن انخفاض أسعار النفط، يُمارس ضغوطات على ميزان المدفوعات، والذي من شأنه أن يؤثر على قيمة العملة الوطنية، ولا سيما وأن تحويلات العمالة الأجنبية كبيرة أيضا.

لذلك من المهم، إعطاء الصادرات السلعية والخدمية، أهمية متزايدة في التنمية الاقتصادية لتكون إحدى قاطرات التطور الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل. ونعني بالصادرات الخدمية، السياحة بجميع أنواعها، فهي أحد أشكال الصادرات المهمة؛ إذ تساهم في تصدير الخدمات المحلية، والحصول على النقد الأجنبي، وتوفير عشرات الآلاف من فرص العمل، كما تساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية ووسائل الإدارة والتقنية الحديثة.

أحد أهداف الخطة الخمسية الأولى "1976- 1980"، والخطط الخمسية التي تلتها، تركزت على تقليل الاعتماد على النفط عن طريق تنويع مصادر الدخل، لتكون المصادر المختلفة، قاعدة للصادرات السلعية والخدمية.

عمان، صغيرة في عدد سكانها، وفي حجم أسواقها، ومعظم صادراتها من المواد الأولية غير المصنعة. ولذلك من المهم، الاهتمام بالصناعات، وتصدير سلعها المُصنعة إلى البلدان المختلفة. بالطبع يتطلب ذلك، توفير قوى عاملة عالية المهارة والإنتاجية، قادرة على المساهمة في التصنيع عالي الجودة.

وعلى عكس ما يعتقده البعض، بتركيز الاهتمام على الدول الفقيرة، في أفريقيا وآسيا، وغيرها من الدول النامية، بحجة أنها تمثل أسواقا مناسبة للمنتجات الوطنية، ويمكن التوسع فيها، فإنَّ العكس هو الصحيح. فالنجاح الصناعي، يتطلب الارتقاء بالجودة، والتركيز فقط، على أسواق الدول الفقيرة، معناه الهروب من المنافسة الحقيقية، وقبول الاكتفاء بمعدلات متوسطة، وحتى منخفضة من الجودة، والذي يعني الخشية من المنافسة العالمية. من الصعب أن تحقق أية دولة تقدما اقتصاديا بتركيز تعاملها مع الدول الأقل نموا، وبالتالي الأقل تشددا في المواصفات الفنية. وقد حاولت بعض الدول السير في ذلك الاتجاه، ولكنها سرعان ما اكتشفت، أنّ السبيل الوحيد، هو المنافسة، في أكبر الأسواق وأكثرها ديناميكية وتطورا . إضافة إلى ذلك، الأسواق الفقيرة تنمو ببطء، وكثيرا ما تتعثر في الدفع، أو تضطر إلى توقيف الاستيراد بالعملة الصعبة. ولكي تنجح عمان، فإن عليها أن تدخل وتنافس في الأسواق الأكثر تقدما ونموا. وذلك لا يمنع، بتخصيص بعض خطوط الإنتاج وتوجيهها إلى الأسواق النامية، على أن يكون جوهر استراتيجية التصنيع والتصدير، التنافس في ظل اقتصاد عالمي تتراجع فيه الحدود والقيود، ويكون التنافس قادرا أن يضمن استمرار نجاح تسويقها. وكل ذلك يتطلب، سياسات تعليمية وتدريبية عالية المستويات وسوق عمل مرنة القوانين، وتوفير الحوافز الكافية للصناعات المحلية، للولوج إلى الأقطار المختلفة، مع الحرص على تطوير مزايا تنافسية، لهذه الصناعات. ما هو مهم في هذه المرحلة، هو التأكيد أنه لا مناص من إعطاء التطوير الأولية في التنمية الاقتصادية، على أن يكون ذلك على أساس من الميز النسبية وفي جو من المنافسة، بحيث تصبح الصناعات التصديرية هي قاطرة النمو الاقتصادي.

في عُمان هناك فرص متعددة لإيجاد صناعات معتمدة على الموارد الموجودة.فهناك فرص للصناعات التحويلية القائمة على النفط والغاز والثروات التعدينية الأخرى، إضافة إلى الثروة السمكية والزراعية، إذا ما تم التركيز عليها بواسطة استعمال أحدث الوسائل التكنولوجية. والصناعة التحويلية هي عبارة عن تحويل المادة الخام، من صورتها الأولية إلى صورة أكثر قيمة، لكي تكون إحدى محركات التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل وتوفير فرص عمل كبيرة، والحصول على النقد الأجنبي، إضافةً لكونها وسيلة لجذب الاستثمارات الأجنبية وتوطين الصناعة والتكنولوجيا.

وفيما يتعلق بالصناعات الأخرى، فمن المهم ألا يتجه هذا التصنيع إلى كامل السلعة، بداية على الأقل.فسوقنا صغير، ومن الصعب الاعتماد عليه، لتغطية كلفة أي مشروع في ظل منافسة شديدة. من جهة أخرى لا تقوم كل دولة بكامل التصنيع بكل مكوناتها. فالعادة أن تلجأ الدول المتقدمة إلى الاعتماد على استيراد معظم المكونات،من دول أخرى. وقد دخلت معظم الدول النامية مجال التصدير الصناعي من هذا المدخل. فهذا ما فعلته جنوب شرق آسيا، وبعد ذلك فعلته العديد من دول وسط وشرق أوروبا. بطبيعة الأحوال فإن البدء بإنتاج مكونات الصناعة، ليس نهاية المطاف، بل هو بداية الطريق تدرجاً إلى المراحل الأكثر تقدما والأكثر تعقيدا.

وعلى سبيل المثال ليس مفيدا استيراد جميع أجزاء السيارة من الخارج وتجميعها في عُمان. من الأفضل البدء بإنتاج مكونات محددة لصنع السيارة أو أية سلعة أخرى تحتوي على مكونات متعددة، بدلاً من استيراد كل المكونات الأخرى وتجميعها في عمان.وبطبيعة الأحوال، فإن الدخول في صناعة مكونات الصناعة، يتطلب مراعاة المواصفات والمعايير الدولية للإنتاج، كما يتطلب- عادة- الدخول في تحالفات واتفاقات مع الشركات العالمية المتعددة، التي تسيطر على الصناعات المختلفة. ولا يخفى أن التعامل مع الشركات العالمية المتعددة الجنسيات، والتي تسيطر على معظم التكنولوجيات المتقدمة، يتطلب إستراتيجيات واضحة تحقق التوازن بين المصالح الوطنية، وبين توفير الحوافز المناسبة لتشجيع هذه الشركات العالمية للتعامل مع الشركات الصناعية المحلية لإنتاج مكونات الإنتاج.

ولا يكفي اختيار فروع الإنتاج الصناعي لتطوير الصادرات الصناعية فقط، بل إن التسويق يعتبر عنصرا أساسيا في نجاح الصادرات. ومن هنا تبرز الحاجة لإقامة تحالفات أو شراكات مع شركات تجارية عالمية، من أجل فتح الأسواق أمام المنتجات الوطنية.

وإضافة إلى حسن اختيار مجالات التصنيع والقدرات التسويقية والتحالفات، فإنَّ وجود تسهيلات تمويلية ضروري جدًا. وتملك معظم الدول الصناعية مؤسسات مالية للمساعدة في تمويل وضمان ائتمان الصادرات. وعليه فعلينا أن نفكر في موضوع إنشاء بنك لتمويل المشاريع الصناعية وضمان ائتمان الصادرات.

الصادرات الخدمية تعد أيضًا مهمة جدًا، كما تعد السياحة رافدا كبيرا ومهما للصادرات الخدمية، وإضافة إلى ضرورة وجود كل التسهيلات التي يتوقعها السائح، فإنَّ إعداد الطواقم التي تتعامل مع السياح مهم جدا.

ويعتبر الفرد أحد أبرز العناصر المتعلقة بالتعامل مع السياح، مما قد يجسد له قيمة في المعاملة ويعطي صورة إيجابية لمجتمع مثقف سياحيًا. وذلك يشمل حسن استقبال ضيوفه من السياح وزرع ثقافة سياحية تمكن من خلق أجيال تعرف قيمة دور السياحة في الاقتصاد، وحتى في قطاعات أخرى، وتتعلم وتحافظ على الموروث السياحي، لإعطاء السائح صورة إيجابية عن المجتمع، فالسياحة مرتبطة بأخلاقيات الأفراد ولا يُمكن ازدهارها وترقيتها إلا إذا شملت رعاية المُجتمع ككل.

من المهم أيضاً، التنويه في هذا الصدد، بوجود دول أخرى، في جنوب شرق آسيا، واجهت أكثر من مشاكلنا، ولكنها سارت بسرعة كبيرة، بتحقيق معجزة اقتصادية، في السنوات الأخيرة من القرن العشرين، وهي ما عُرف باسم "النمور الآسيوية"؛ بعضها لم يكن يمتلك أية موارد، مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، وقبلها دول مثل سويسرا واليابان. لكنها جميعاً اتبعت نظاما تعليميا تدريبيا صارما وبالغ الكفاءة، مع الاعتماد على الصناعات في اقتصاد مفتوح، رغم افتقادها إلى مواد الخام الضرورية، وكانت النتيجة أن أصبحت الصادرات الصناعية، هي أساس التقدم الصناعي، وقاطرة النمو فيها.

كل هذه الدول اعتمدت في الأخير على صادرات صناعية متطورة، وليس على منتجات مواد أولية، أو طبيعية، بل اعتمدت على صناعة مُتقدمة تكنولوجيًا، في ظل تحالفات مع أكبر الصناعات، مع توفير إمكانيات التقدم، والتطوير التكنولوجي، في جو من المنافسة والانفتاح على اقتصاد عالمي متنامي الأطراف.