كيف نبني الكفاءات الوطنية؟

 

 

حمود بن علي الطوقي

زُرت أحد الأصدقاء بمكتبه؛ للسلام عليه، بعد أن رفعت اللجنة العليا المكلفة ببحث آليات التعامل مع التطورات الناتجة عن كوفيد 19، الحظر، وعودة الحياة تدريجيًّا إلى طبيعتها، وأنا في صالة الاستقبال طرق الباب، وإذا بشابٍ في مُقتبل العمر سلَّم باحترام، وسأل الأخت المُنسِّقة التي كانت تجلس على مكتب الاستقبال بكل تواضع: هل لديكم وظيفة شاغرة؟ فردت بالنفي، ثم سألها: هل لديكم فرصة للتدريب؟ فردت أيضا بالنفي. وشكرها ليواصل رحلة البحث عن العمل، مُتنقِّلا من مكتب لمكتب، ومن شركة لأخرى.. هكذا سيفعل هذا الشاب الطموح، كما أتوقع.

كنت أتمنى من الأخت المنسقة أن لا ترده مكسورَ الجناح، وكان الأفضل منها أن تستقبل طلبه وتعرضه على الإدارة، وربما يكون هذا الطارق أحد الكفاءات ومصدر رزقه من هذه الشركة.

هذه القصة ذكَّرتني بتفاعُل عدد كبير من المتابعين على حسابي في "تويتر"، عندما طرحت جهود الحكومة في الثمانينيات من القرن المنصرم عندما كانت الحكومة تشجِّع الطلاب للالتحاق في برامج تدريبية في الشركات وفي الدوائر الحكومية خلال فترة الصيف، مقابل مبلغ زهيد يُدفع للمتدرب لا يتجاوز الستين ريالا، وتفاعل مع التغريدة عدد كبير من المتابعين، وقدموا لنا ذكرياتهم، وهم طلاب على مقاعد الدراسة يخوضون تجربة جديدة اتَّسمت بالجدية حسب وصفهم، أجدني وأنا أطرح هذا الموضوع أناشد الحكومة فتح هذا الباب من جديد أمام الطلاب والباحثين عن عمل، أعلم أن هناك من سيرد على المقترح بأنَّ الوظيفة أولى للباحثين، ولكن أطرح هنا مقترحًا لفتح مجال للتدريب في المؤسسات الحكومية، أو في القطاع الخلص خلال فترة الصيف، وتكون بطريقة منظمة حسب ما كان مُطبَّقًا في السنوات الماضية؛ حيث كانت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك المسؤولة عن توجيه الطالب برسالة للشركة، وكانت الشركات تتجاوب مع طلب الوزارة، وفعلا تدرب في الشركات عدد كبير من الطلاب وهم حاليا يتصدرون مناصب قيادية سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص.

الفرصة الآن متاحة أكثر من السابق وعدد كبير من الشركات يُمكنها استقبال الطلاب، خاصة من هم في المرحلة الجامعية لخوض التدريب العملي طوال فترة الإجازة.

كما أن المصارف وشركات النفط والغاز وقطاع الاتصالات والقطاع السياحي والمحلات التجارية الكبيرة والمطاعم السياحية، يُمكنها استقبال الطلاب خلال فترة الصيف للعمل، وأيضا المراكز التجارية ومحطات الوقود، وكذلك تشجيع هؤلاء الشباب لتقديم خدمات التوصيل للبضائع... وغيرها من المهن قد تكون مصدرَ إلهام للشباب العماني للإبداع، وصقل قدراتهم، والاستفادة من وقتهم الثمين طوال فترة الصيف.

هذا المقترح في حالة تطبيقه سيُعزِّز من تنمية مواردنا البشرية من الجنسين، وسوف يفتح المجال لكي تتعرف هذه الشركات والمؤسسات على قدرات شبابنا وتوجهاتهم المستقبلية، وربما يواصل الشباب مشوارهم بعد تخرُّجهم في هذه الشركات التي فتحت ذراعيها لاستقبالهم في فترة دراستهم.

يجب علينا كمؤسسات بمختلف أحجامها أن لا نسدَّ الأبواب أمام أي طارق من كوادرنا لطلب التدريب أو الوظيفة، ويجب أن يكون هناك مجال للتباحث والتشاور بين الطرفين؛ من أجل تحقيق المصلحة العامة.

وأعتقد أن المركز الوطني للتشغيل يُمكنه أن يلعب دورا محوريا، وأن يتبنى هذا التوجه من خلال حث الشركات -خاصة الكبرى- على تبنِّي فكرة تدريب الكوادر الوطنية في مختلف الأقسام، ووضع شروط ميسَّرة تجعل من هذا التعاون بين الطرفين جسرًا للعبور إلى آفاق أرحب في المستقبل.

يجب أن يكون التدريب من أولويات المرحلة المقبلة؛ فعلينا أن نبحث كيف نُصقل مهارات شبابنا بالتدريب المتقن لنجهِّزهم للعمل بإتقان في المرحلة المقبلة.

أعتقد أنه آن الأوان لأن تتغير بعض القوانين المنفِّرة، والتي كانت تقف حجر عثرة أمام القطاع الخاص؛ لتكون أكثر يُسرا، تعطي هذا القطاع الفرصة والمرونة للتباحث مع الطرف الباحث عن الوظيفة أو التدريب؛ بحيث يكون الهدف الأسمى هو تنمية مواردنا البشرية نحو الإبداع والتميز وتجويد العمل.