علي بن مسعود المعشني
Ali95312606@gmail.com
تعمين الوظائف هو مطلب اجتماعي، ومسلك رسمي منذ فجر النهضة المباركة، وقد ازدادت الحاجة إليه في السنوات الأخيرة بشكل مُلح وضروري مع تدفق الأعداد الكبيرة من مخرجات التعليم بجميع مراحله، حتى فاق العرض الطلب، وأصبح الباحثون عن عمل ظاهرة اجتماعية مُقلِقة للدولة وحديث الرأي العام.
ما زلنا حتى اليوم نُعاني من شُح الوظائف لأسباب متعددة ومختلفة، منها قلة الشواغر في القطاع العام نتيجة الاحتباس الوظيفي الناتج عن عدم وجود نظام تقاعد جاذب وحيوي ودائم يغطي القطاع ويشمل جميع وحداته، وقلة الفرص الوظيفية الجاذبة في القطاع الخاص مقارنة مع أعداد الباحثين والأعمال التي يشغلها الوافدون. زاد على ذلك أنَّ المؤسسات المناط بها التمويل للتشجيع على بسط ثقافة ريادة الأعمال والتشجيع على العمل الحر، لا تزال في مراحل التشكل الأولى ولم ترتقِ إلى مستوى الرسالة والإلمام بثقافة الاقتصاد الاجتماعي، وكيفية التعاطي مع مفرداته ومراحله وأطواره.
الأسباب الثلاثة ولَّدتْ احتقانا مزدوجا: اجتماعيا واقتصاديا، ولابد للحكومة ومجلس عُمان من البحث عن حلول دائمة وسلسة دون الإضرار بالاقتصاد الوطني أو الإضرار بالسكينة العامة للمجتمع والأمن الاجتماعي. في حال نجاحنا بتوحيد منظومة صناديق التقاعد في السلطنة تحت مظلة واحدة، سيتوافر لنا رأس مال ضخم يُمكن توجيه استثماراته نحو قطاعات إنتاجية تُسهم في خلق وظائف دائمة، وفرص عمل موسمية أو مؤقتة بدلا من الاقتصاد الطفيلي الحالي، إضافة لعوائد مالية كبيرة تُسهم في استقرار الوضع المالي لصندوق التقاعد وقيامه بدوره المنوط به على أكمل وجه.
والأمر في تقديري لا بد أن ينسحب كذلك على منظومة التمويل القائمة في السلطنة (بنك الإسكان، وبنك التنمية، وصندوق الرفد، وريادة، وصندوق دعم مشروعات الشباب "شراكة")؛ بحيث يتم دمجها تحت مظلة تمويلية واحدة (بنك عُمان الوطني)؛ ليتوافر لها رأس المال القوي، ويصرح لها بالعمل المصرفي المتعارف عليه، ويُمكِّنها من العمل بجناحين: مصرفي ربحي واجتماعي تمويلي، بصفر أرباح.
واعتبارًا من العام الجاري 2020، يجب على الحكومة -وبعد موجة التقاعد الأخيرة- العمل بوتيرة متسارعة نحو خلق فرص عمل للباحثين في القطاع الخاص وتشجيع ريادة الأعمال، خاصة وأننا رأينا الكثير من المبادرات الشبابية في الفترة الأخيرة من مشروعات ابتكارية وزراعية تستحق الدعم والتشجيع كضرورة قصوى للتسويق لثقافة العمل الحر، والتي تتطلب من الحكومة التضحية بالكثير من المال والجهد لغرس قيم هذه الثقافة في نفوس الأجيال حتى ترشد وتُثمر وينشأ لدينا قطاع خاص حقيقي قوي ومبادر وخلاق، عماده مؤسسات صغيرة ومتوسطة فاعلة.
كلُّ ما ذكرته آنفًا قد يكون مكررًا ومألوفًا في التخطيط والمطالب، ولكن ما هو غير مألوف في تقديري هو ضرورة تشريع جُملة من المواد القانونية المستحدثة في قوانين التقاعد والتأمينات الاجتماعية وقانون العمل وقوانين التمويل وشروطها وفق الآتي:
- تقليل مدة التقاعد للنساء إلى النصف (للراغبات) للحفاظ على الأسرة، وخلق فرص عمل جديدة.
- سريان ميزة إمكانية شراء الموظف لسنوات التقاعد المتبقية عليه لإتمام المدة القانونية للتقاعد.
- إمكانية شراء المواطن (غير الموظف) لميزة التقاعد وفق دراسة اكتوارية تحدد وتضبط ذلك، وهذا بقصد تأمين حياة كريمة للمواطنين العاملين خارج السلطنة، وكذلك للشاب الذي لا يرغب في القيد الوظيفي.
- ضرورة تمتع المواطن الباحث عن عمل براتب تأمين بطالة لا يقل عن مبلغ 250 ريالا عُمانيا شهريًّا، يمكنه إرجاعها بعد التوظيف بأقساط رمزية شهريًّا.
- صَرْف نصف راتب شهري وفق الشهادة لكل باحث عن عمل لا يرغب في التوظيف، مع توقيعه إقرارًا كتابيًا بذلك، على أن يُقتطع منه مبلغ شهري لخزينة الدولة يعادل مجموع ما صُرِف له خلال 10 أعوام عمل، يتحول بعدها إلى مخصصات صندوق التقاعد، وبهذا نكون وفرنا نصف راتب، مع وظيفة تقديرية إضافة لاقتطاع ما أنفق عليه عبر أقساط شهرية ميسَّرة دون إخلال بالمال العام، أو الإثقال على كاهل الدولة والمجتمع.
- مد مظلة التأمينات الاجتماعية لتشمل كلَّ مواطن يرغب في الانضواء تحت مظلتها التأمينية من أصحاب المهن والأعمال الحرة، بغض النظر عن مهنته أو العمل الذي يزاوله والاكتفاء بسداده لمساهمته الشهرية وفق الشروط والضوابط المنظمة لذلك، على اعتبار أنَّ هناك الكثير من الأسر العُمانية التي تعيش على أعمال ومهن فردية حرة، ولا تتبع أي جهة عمل كصيد السمك ورعي الماشية والزراعة والحرف اليدوية، ولكن ذلك لا يُمثل لها أي أمان مالي ولا لأبنائها ومستقبلهم، وسرعان ما تتحول هذه الأسر إلى أسر ضمان أو مُتعفِّفة تحت رحمة المجتمع لغياب الأمان المالي المقنن لها.
- تحديد وظائف وأعمال دائمة أو مؤقتة أو موسمية من الحكومة لا يُشترط على أصحابها من المواطنين التسجيل في القوى العاملة أو التأمينات الاجتماعية؛ وذلك لتشجيع الباحثين عن عمل أو المتقاعدين أو الطلاب الدارسين على نفقة أسرهم أو ذوي الدخل المحدود، من تحسين ظروف معيشتهم دون مساءلة قانونية أو مضايقات إجرائية من أي جهة.
- إعادة النظر في الخُطى التقنية كالحكومة الإلكترونية والعمل عن بُعد والتسويق الإلكتروني؛ فكُل ذلك سيأتي على حساب العنصر البشري وإحلال التقنية كبديل في ظل عدم وجود حلول دائمة للتوظيف، كما سينتج عن العمل عن بُعد والتسويق الإلكتروني آثار سلبية على التجارة التقليدية وتحصيل الرسوم والنشاط العقاري حين يصبح النشاط التجاري عبارة عن حاسوب شخصي محمولا فقط لا غير، دون الاستعداد لذلك من قبل الحكومة أو المجتمع.
وبالشكر تدوم النعم....،
-----------------------
قبل اللقاء: سلطنتنا الحبيبة لا تحتاج إلى دماء جديدة، بل إلى عقول جديدة، والعقول الجديدة لن تتوافر إلا في ظل وجود منظومات إدارية وتشريعية جديدة ومرنة.