تمركز الوظائف القيادية في الشركات

 

محمد بن عيسى البلوشي

نتَّفق أو لا نتفق مع تصريح أحد المسؤولين بشأن "تعمين/شغل" بما يمكن تسميته "مهنة/نشاط" التوصيل للمطاعم والمقاهي... وغيرها من الخدمات التي تُشكِّل مصدر دخل -رئيسيًّا أو إضافيًّا- للعُمانيين فقط دون غيرهم. لكنَّنا نتفق أنه من الجيد أن ننظر إلى حال هذه المهنة كحال الأنشطة التي يجب أن يقتصر أداؤها على أبناء البلد "قيادة مركبات الأجرة أنموذجا" المتفرغ منهم والموظف على حدٍّ سواء.

تابعنا موضوع ممارسة نشاط التوصيل للمطاعم والمقاهي الذي شغل بال العديد من المختصين والمهتمين والمتابعين والمراقبين، ليس لكونه موضوعًا جديدًا في ساحة الأعمال فقط؛ بل لأنَّه تزامن مع قيام شركة ريسوت للأسمنت -وهي شركة مساهمة عامة- وفي نفس يوم التصريح بتعيين جيتندر سينفجي رئيسا للمالية بالشركة؛ ليكون عاشر وافد يتم تعيينه في الإدارة التنفيذية للشركة، والتاسع أو الثامن من بني أبناء جنسيته، وليفتح سؤالا عاما لدى البعض: لماذا ندعو إلى تعمين المهن البسيطة ونترك وظيفة جيتندر؟!

يرى البعض أنَّ تعيين الرئيس المالي للشركة يفتح ملفَّ تمركز الوظائف القيادية العليا في جنسية واحدة، وهو أمرٌ يصفة المختصون بالخطير، ويؤكدون أنه من الأهمية بمكان أن تعمل الشركات على التنويع في جنسيات التعيين (عند الضرورة القصوى فقط) إن غاب الشاغر الوطني للوظيفة (وهو الأصل)، وهنا أتساءل: لماذا قام الرئيس التنفيذي المعيَّن قبل عام تقريبا بتعيين أغلب الإدارة التنفيذية من نفس الجنسية التي ينتمي إليها؟! وقبل تعيين المذكور، مَنْ كان يُدير الإدارة التنفيذية التي يشتغلها الوافدون العشرة فيها الآن وجنسياتهم؟! لماذا إختلف المشهد من الامس إلى اليوم؟!

يقودنا هذا الموضوع إلى تساؤل أعمق؛ وهو: من أي زاوية تنظر وزارة القوى العاملة إلى مسألة التعمين في الشركات (الحكومية، الخاصة، المساهمة العامة، الاستثمارية)؟ هل الأصل في الفكرة أنْ تكون جميع الوظائف معمنة في الشركات (للعمانيين)، ويتم الاستعانة بالأيادي والخبرات غير العمانية (الأجانب) في حالات محدودة؟! أم الأصل في التعيين بأن يتم شغل الوظائف من غير العمانيين (الأجانب)، وتشترط الحكومة تعمين نسبة منهم (للعمانيين) كشرط أساسي؟! جميع الخبراء والاقتصاديين والسياسيين والفلاسفة والكتاب والأدباء وأهل العلم والحكمة يُؤكدون دوما على أن "زاوية نظرك إلى الأشياء هي التي تقودك إلى النتائج"، وهذا ما يجعلنا نؤكد على أهمية إعادة النظر في موضوع توطين الوظائف في القطاعات غير الحكومية، والتي تعد مسؤولية جميع القطاعات كلٍّ حسب اختصاصه.

موضوع التعيين الأخير، جعل مسار البحث مفتوحا أمامي لتقصِّي أخبار شركة ريسوت للأسمنت، والتي أعلنت في إفصاح لها بتاريخ 1 مارس 2020 أن "مجلس إدارتها أوصى بتوزيع أرباح نقدية على مساهمي الشركة بنسبة 12.5% من رأس المال المدفوع عن العام 2019، ورفع التوصية إلى الجمعية العامة العادية للشركة في اجتماعها المقبل المقر انعقاده في 18 مارس 2020 لاعتماد تلك التوزيعات"، لتعود في 7 مايو 2020 إلى نشر إفصاح آخر حول إلغاء توزيع الأرباح على المساهمين بحجة "التأثيرات العالمية السائدة لفيروس كورونا المستجد"، الذي تقول الشركة إنها أثرت "على الأعمال إضافة إلى زيادة غير المتوقعة في سعر الغاز، وانعكس هذا التأثير سلبا على الشركة في كل من الأرباح والتدفق النقدي لها".

وهنا.. السؤال الذي يطرح نفسه أمام مجلس إدارة الشركة: لماذا لم يَقُم مجلس إدارة شركة ريسوت للأسمنت لنفس الأسباب السالفة الذكر بإلغاء مكافآت مجلس الإدارة عن السنة المالية المنصرمة 2019، والتي حُدِّدت بحوالي 18 ألف ريال عماني، وأيضا إلغاء أو تخفيض بدل حضور الجلسات عن العام المقبل 2020، والذي قدر بألف ريال كحد أقصى في كل جلسة لكل عضو، أليس النظر إلى الأمر من نفس المنظور يقود إلى النتيجة ذاتها.

وأيضًا هناك سؤال مُتجدِّد يتبادر إلى ذهن المراقبين والمحليين؛ ويتمثل في: أين هو قرار المستثمر المساهم في إلغاء التوزيع؟ ولماذا لم يُؤخذ برأي المستثمر الصغير الذي وضع أحلامه في العوائد التي ينتظرها نهاية كل عام من الأرباح، والذي بنى عليها قراره الاستثماري مع شراء الأسهم؟ فكما هو معلوم أنَّ المساهمين لهم كلمة ودور في كثير من توجهات الشركات التي يستثمرون فيها، ولا يُمكن أن ينفرد مجلس إدارة أيه شركة بهكذا نوع من القرارات المهمة للمستثمر مهما كانت نِسَب التملك، وهذا ما يمكن أن نفهمه من فكرة إنعقاد الجمعيات العمومية للشركات وعرض القرارات الإستراتيجية عليها، وهنا نعول على ذكاء المستثمر في الشركات بمعرفة حقوقه ووجباته تجاه الشركة التي يستثمر فيها.

أيضًا فتحت جزئية "التأثيرات العالمية السائدة لفيروس كورونا المستجد على أعمال الشركة، إضافة إلى زيادة غير المتوقعة في سعر الغاز"، والتي تقول الشركة إنها تأثيرات سالبة "على الشركة في كل من الأرباح والتدفق النقدي لها" بابا آخر للتدقيق والسؤال للجهات الرقابية فيما يتعلق بموضوع الاحتياطات المالية المتراكمة التي من المفترض أن تكون الشركة قد احتجزتها من أرباحها للسنوات الماضية للتعامل مع كهذا أوضاع، وهل هناك تشريع يُجِيز للشركة بأنْ تقوم بالتصرف عن أرباح العام السابق لمعالجة أوضاع حدثت في هذا العام؟! ومن يحمي حقوق صغار المستثمرين في الشركات؟! وهذا السؤال أدعه مفتوحا أمام جهات الاختصاص؟!

أودُّ أن أشير في ختام المقال إلى أنَّ ظروف عدد من شركات المساهمة العامة تشابهت مع الظروف التي أشرنا إليها للشركة المذكورة، وقامتْ بتوزيع أرباح عن السنة المالية المنتهية في 2019، وعملت على تطوير أدواتها، فلماذا النتائج مختلفة رغم أن الأسباب واحدة؟