- ضربة مزدوجة للاقتصاد لكنها ليست القاضية
- خبراء ومحللون يطرحون بدائل للخروج من الأزمة
- الوضع المالي مرشح لمزيد من الضغوط في ظل "الإغلاق العالمي الكبير"
الرؤية- نجلاء عبدالعال
"الإغلاق العالمي الكبير".. "الضربة الاقتصادية المزدوجة".. "ارتفاع نسبة العجز من الناتج المحلي".. عبارات لم يعهدها الاقتصاد العُماني، لكنها باتت واقعا لا يُمكن مواراته، بل يحتاج للمواجهة الحاسمة والسريعة، لاسيما وأن عمان بتاريخها الضارب في القدم، شهدت تحديات سابقة، ما يمهد المسار أمام خطوات حازمة للعبور من هذه الأزمة نحو مرافئ الاستقرار المالي والازدهار الاقتصادي.
ورغم ما يلوح في الأفق من تحديات، تظل فرص إعادة هيكلة الاقتصاد، والانعتاق من عنق الزجاجة نحو آفاق اقتصادية أرحب، خاصة وأنَّ السلطنة مُقبلة على بدء تنفيذ الرؤية الاقتصادية الأعلى طموحًا على مدى تاريخها؛ الرؤية المستقبلية "عمان 2040".
وأكد عدد من الخبراء بالشأن الاقتصادي- في تحقيق لـ"الرؤية"- قدرة السلطنة على تجاوز الأزمة، من خلال حزمة من البدائل التي يطرحونها، منها ما تُنفذه الحكومة بالفعل، وأخرى يأملون الأخذ بها، بغية الوصول إلى الهدف الذي يصبو إليه الجميع، وهو توفير المعيشة الكريمة للمواطن ومواصلة التقدم والازدهار في شتى المجالات.
الرئيسي: سلبيات خفض قيمة العملة تفوق الإيجابيات
أكد الخبير الاقتصادي علي بن حمدان الرئيسي صعوبة البدائل الاقتصادية التي تتخذها الحكومات حول العالم في أوقات الأزمات، مشيراً إلى أنَّ تقبل العامة لمثل هذه البدائل يستلزم بناء وعي مُجتمعي بحتميتها وفائدتها على الدولة.
وقال إن الإحصائيات المنشورة عن المالية العامة، خلال الفترة من يناير إلى أبريل 2020، توضح انخفاضا في الإيرادات الإجمالية بنسبة 1.2 بالمائة مقارنة مع الإنفاق العام خلال الفترة المقابلة من العام الماضي، مع تحقيق خفض في المصروفات الخاصة بالدفاع والأمن والمصروفات الإنمائية للوزارات الحكومية ومصروفات الدعم.
ويرى الرئيسي أنَّ مسألة تخفيض قيمة العملة بديل اقتصادي غير محبذ للاقتصاد العماني، نظراً لكبر حجم العجز المالي، والتخفيض لن يفيد كثيرًا في تغطية العجز أو سداد الدين، علاوة على أنَّ هذا الإجراء سيطلق موجة تضخمية كبيرة، خاصة وأنَّ الكثير من السلع والبضائع يتم استيرادها من الخارج، وبالتالي سترتفع أسعار المواد وسيتأثر الكثير من المُواطنين ولاسيما محدودي الدخل. ولفت الرئيسي إلى أنَّ تخفيض سعر العملة إجراء يمكن الاستفادة منه في حالة توافر صادرات ضخمة غير نفطية، وهو ما لا يتوافر حتى الآن، لكن يجري العمل عليه مع مشاريع التنويع الاقتصادي، وحتى يأتي الوقت الذي يمكن فيه زيادة الصادرات، فإنَّ هذا البديل من غير المتوقع أن يتم اللجوء إليه إلا كآخر البدائل، خاصة وأن تجربة عام 1986 بتخفيض سعر العملة لم تكن نتائجها إيجابية للغاية.
لكن الخبير الاقتصادي قال إنَّ تخصيص المشروعات بديل فعال، إلا أنَّ التوقيت ربما لن يكون مناسباً، في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية، مستشهدا بما حدث مع عملية تخصيص جزء من شركة أرامكو السعودية.
وفيما يتعلق بالضرائب كأحد روافد الدخل للحكومات حول العالم، يرى الرئيسي أنها أحد الحلول القاسية التي لا مفر منها وتلجأ إليها الحكومات كأحد البدائل للخروج من الأزمة المالية، شريطة أن تسبقها دراسات واستعدادات. وقال إنَّ الضرائب تتخذ صورا وأشكالا متعددة؛ منها ضريبة الدخل، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة المبيعات وغيرها، موضحاً أنَّ ضريبة الدخل على الأفراد في الغالب سيكون لها تأثير مُباشر على الموظفين باعتبار أنَّهم سيمثلون أسهل الفئات الذين يمكن تطبيق الضريبة عليهم بالاستقطاع من الراتب مباشرة، مشيراً إلى أنَّ الإحصائيات المتوافرة حاليا تتعلق بالموظفين في القطاع الحكومي أو العاملين في القطاع الخاص، في حين يبدو من الصعب حصر دخول غير العاملين في القطاعين الحكومي والخاص. وأوضح أنَّ وسائل الإعلام تُسهم بدور كبير في تهيئة الجمهور لمثل تلك الإجراءات.
وأضاف أنَّ الأزمة التي يمر بها الاقتصاد العالمي واقتصاد عُمان، غير مسبوقة بل ويمكن أن تكون الأصعب من نوعها، خاصة للدول المصدرة للنفط، حيث إنَّ الوضع المالي السلطنة صعب للغاية برغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة، لكن لابد أحيانًا من إجراءات إضافية صعبة وضرورية في آن واحد. وأكد أنَّ تقبل الرأي العام لفكرة الضرائب أو غيرها من الإجراءات مثل التقاعد، سيكون أسهل عندما يدركون الهدف والغاية من ورائها، وكيف أنَّها حتمية لاستمرار عملية التنمية وتوفير الحياة الكريمة للأجيال القادمة.
الغساني: البدائل "مؤلمة".. والأولوية لترشيد النفقات
يرى المُهندس محمد بن أبوبكر السيل الغساني النائب السابق لرئيس مجلس الشورى، أنَّ كافة البدائل في الأزمات الاقتصادية تكون مؤلمة، وأن الأولوية الأولى تبدأ بترشيد الإنفاق غير الضروري وأحياناً إعادة ترتيب الإنفاق الضروري.
ويشرح الغساني أن الخطوة الأولى لأي مؤسسة أو شركة أو دولة أو حتى فرد عادي يُعاني من انخفاض في الدخل هو تقليل المصروفات، وهذا ما بدأت به الحكومة الرشيدة بالفعل، وأصدر جلالة السلطان المعظم- أيده الله- أوامره باتخاذ إجراءات نادت بها الدراسات الاقتصادية منذ فترة طويلة، وتتمثل بصورة أساسية في ضبط النفقات التشغيلية الجارية التي لا يتحقق منها مردود على الدخل. وقال الغساني إنِّه على الرغم من أن البعض اعتبرها إجراءات مؤلمة، لكنها كالعمليات الجراحية اللازمة لإنقاذ الحياة، فالجزء الأكبر من الإنفاق الحكومي يذهب في شكل رواتب، وأحياناً مصاريف ربما عند إعادة التفكير فيما تحققه من مردود لا تكون كبيرة أو على الأقل يمكن تأجيلها لمرحلة تالية. وأضاف: "لذلك كانت الإجراءات التي اتخذها جلالة السُّلطان والحكومة تعكس مستوى الحكمة والحصافة، لأنها تستهدف ضبط الإنفاق التشغيلي إلى أقصى حد، مع العمل على تعزيز الموارد غير النفطية وإعادة هيكلة استثمارات الدولة وجمعها في بوتقة واحدة لتدار وتراقب وفق منهج واحد وخطة واحدة".
وأكد أنَّ الهدف الرئيسي من هذه الخطوات هو تخطي الأزمة المالية دون التأثير على حياة المواطن العادي، مشيراً إلى أنَّه إذا كانت هناك إمكانية لتفادي فرض رسوم جديدة سيكون أفضل كثيرًا، لأن فرض رسوم أو ضرائب في ظل حالة الانكماش قد تفضي لنتائج عكسية ويكون تفاديها أو تقليلها محققًا لفائدة أكبر، ولذا يتعين علينا اختيار الرسوم التي يمكن فرضها بما يضمن أن تدر دخلا ولا تضر بالحركة الاقتصادية في الوقت نفسه. وضرب مثالا بالضريبة الانتقائية، لأنها تفرض على منتجات في غالبيتها العظمى مستوردة، والاستيراد يُؤثر على اقتصادنا في ظل قلة مواردنا من العملة الصعبة التي يتم الاستيراد بها.
ويقول الغساني إنَّ السواد الأعظم من سكان السلطنة -سواء مواطنين أو وافدين- على سبيل المثال يستخدمون سيارات سعرها في حدود 10 آلاف ريال، لكن هناك آخرين يستخدمون سيارات تزيد أسعارها على 25 ألف ريال، وهذه الفئة من المؤكد أنها قادرة على دفع رسوم أكبر، ومن ثم فإن فرض ضرائب على ما يزيد عن حاجة الفرد العادي أو ما يطلق عليها الكماليات، سيكون له مردود اقتصادي فضلاً عن ضبط ثقافة الاستهلاك والتباهي غير المقبول.
ويلفت الغساني الانتباه إلى نوع من الرسوم أو الضرائب قد تكون غير صحية وتتسبب في نتائج عكسية، خاصة إذا كانت نسبتها مرتفعة ولا يقابلها أي مبرر، بينما إذا ما وضعت بشكل تدريجي يراعي كل حالة على حدة سيكون لها مردود أفضل وأكبر وسيضفي حالة من الرضا على الجميع، ومنها على سبيل المثال الرسوم على عقود الإيجار، والتي يمكن أن تعدل بحيث تراعي شرائح المجتمع المختلفة.
وحول ملاءمة ضريبة إضافية سواء الدخل أو غيرها، يرى الغساني أنها يمكن أن تلقى القبول المطلوب إذا تم توضيح مردود هذه الضريبة على المواطن، أو كما تسمى في الأدبيات الاقتصادية "أموال دافعي الضرائب". واستبعد الغساني أن يعترض المواطن على دفع ضريبة من دخله لوطنه، إذا كان على علم بقنوات إنفاق حصيلة الضريبة التي يدفعها، وأن هذه القنوات ستصب في صالحه وصالح أبنائه، بل إن الناس مع الشفافية ستُرحب بالضريبة إذا ما علمت أن هذه أموال الضرائب أفادت بلدهم ومستقبل أبنائهم، ولن يتأتى هذا سوى بإشراك الناس في آلية تمكن المواطن من التعرف على كيفية إنفاق أموال الضرائب سواء عبر تقارير فصلية أو عبر وسائل الإعلام.
ويتطرق المهندس محمد الغساني إلى بديل آخر يصفه بـ"الاقتراض التنموي" الذي يستهدف تنفيذ مشروعات تدر عوائد بمجرد انتهائها لتسهم هذه العوائد في سداد خدمة الدين ثمَّ سداد الدين وتحقيق الأرباح. وأوضح أن هذا النوع من القروض مرحب بها، ويرتبط بمشاريع لا تحقق مردودا على وضع العجز والدين العام وحسب، بل أيضًا تنعكس على نظرة الجهات التمويلية وتقييم التصنيف الائتماني، مشيراً إلى أنَّ هذا الاقتراض يهدف إلى إنهاء مشاريع يجري العمل فيها وترفع من درجة ثقة المستثمرين، لأنهم سينظرون إلى دولة تنفذ مشاريع رغم الأزمة فتتشجع للاستثمار فيها.
النبهاني: تحسين عائدات استثمار الأصول الحكومية يعزز من الإيرادات
أكد الخبير الاقتصادي الدكتور أشرف بن نبهان النبهاني أن الطريق الأمثل للخروج من الأزمة المالية الحالية يتمثل في إعداد موازنات دون عجز مالي قدر الإمكان، وذلك من خلال ترشيد وخفض الإنفاق وزيادة إيرادات الدولة من مختلف المصادر، إلى جانب تحسين بيئة الاستثمار لجذب تدفقات مالية جديدة.
وقال إنَّ هذا الطريق يدعم هدفاً واحداً، إذ إن تشجيع الاستثمار- سواء أجنبيا أو محليا- يسهل على الحكومة تقليل الإنفاق الذي تضخه في الاقتصاد بشكل مباشر، وهو دور تحملته الحكومة لفترة طويلة، نظرًا لأن القطاع الخاص ربما لم يكن جاهزا للقيام به، لكن حاليًا ومع انفتاح الأسواق العالمية ومع البنية الأساسية التي تمت خلال العقود الماضية، يمكن زيادة استثمارات القطاع الخاص، مع مُراعاة تحسين سوق العمل وبيئة الاستثمار وتسهيلها وتسويق الفرص في الداخل والخارج.
وفي ظل الأوضاع التي يُواجهها الاقتصاد العماني بسبب التراجع في أسعار النفط والإغلاق العالمي الكبير وتخفيض التصنيف الائتماني للسلطنة، قال النبهاني إن مديونية الدولة تتطلب حلولاً سريعة وإنِّه على الأمد القصير لابد من البحث عن بدائل أقل كلفة لتسديد التزامات الديون، ومن بين هذه الحلول الحصول على التمويل عبر الشركات الحكومية ذات التصنيف الائتماني المرتفع وإصدار الصكوك السيادية والتي تمثل طريقاً سريعاً للحصول على دخل مالي يُساعد على تسديد الالتزامات. ويرى النبهاني أنَّ هذا الحل مفيد خاصة وأن الصكوك ترتبط بأصول وستكون أعلى في تصنيفها الائتماني من التصنيف الائتماني الحالي للدولة، وبالتالي ستكون بتكلفة أقل. وأوضح أنَّ هذه الصكوك السيادية المرتبطة بأصول ومشروعات على الأرض يمكن أن تكون أحد طرق التخصيص؛ إذ يمكن الاتفاق على تحويل الصكوك إلى أسهم ويتم طرح المشروع للتحول إلى القطاع الخاص فيما بعد.
ويُشير النبهاني إلى أنَّ تحسين عائدات استثمار الأصول الحكومية من شأنه أن يضخ تدفقات مالية سريعة وكبيرة؛ معرباً عن تفاؤله بإنشاء جهاز الاستثمار العماني الذي جمع غالبية الأصول الحكومية والاستثمارات في كيان واحد، وهي خُطوة متميزة نحو الاستفادة الحقيقية من الأصول والاستثمارات وإدارتها بطريقة متكاملة. ويرى النبهاني أن قيمة الأصول والاستثمارات الحكومية التي تتبع الجهاز الجديد ستدر عائدات هائلة، ضاربًا المثال بأنه إذا كانت قيمتها تصل إلى 100 مليار ريال فقد تحقق عائداً سنوياً ما بين 3 إلى 5 مليارات ريال عماني.
وشدد على أن التخصيص يعد من البدائل المهمة لتغطية العجز وسداد الديون العامة باعتباره حلا متعارفا عليه في التجارب العالمية، داعياً إلى الإسراع في إعداد الملف التفصيلي والدراسات التي تحدد الشركات وسبل التقييم الحقيقي للأصول التي يجري تخصيصها، وتشمل السوق المستهدف وسعر البيع الأنسب وأسلوب التخصيص إن كان عبر البيع المُباشر أو الطرح الجزئي أو الكلي.
العنسي: ضرورة التوسع في مشاريع التنويع الاقتصادي
يرى محمد بن حسن العنسي رئيس لجنة تنظيم سوق العمل بغرفة تجارة وصناعة عمان أن أبرز الإجراءات التي يمكن اتخاذها للخروج من الأزمة المالية يتمثل في متابعة الإنفاق الحكومي وخاصة الإنفاق الجاري.
وقال إن "الخطوات العملاقة" التي اتخذت خلال الأسابيع الماضية تدعم هذا التوجه، نظرا لأن قمة أولويات الاقتصاد في ظل الأزمة، ضبط الإنفاق ليس فقط بهدف تقليله لكن أيضا إعادة النظر فيه، بما يضمن أن كل ريال يتم إنفاقه يتجه إلى مكانة الصحيح وفي الوقت المناسب، وأنه يحقق عائدا حقيقيا على المواطنين وعلى خطط الدولة الاقتصادية.
وأضاف أن السير قدما في مشاريع التنويع الاقتصادي لا بد أن يبقى ضمن أولويات الإنفاق، حتى على الرغم من الأزمة المالية، مشيرا إلى أن الضغط القوي على المالية العامة للدولة يمثل تحديا غير مسبوق، لكنه في نفس الوقت يفتح الباب أمام التحول إلى طرق جديدة للعمل، من خلال إتاحة مجال أكبر للقطاع الخاص- المحلي والأجنبي- للقيام بدور في إنجاز المشاريع ذات المردود المالي، ومن ثم تحقق عوائد اقتصادية للدولة.
ويشدد العنسي على أن فرض رسوم أو ضرائب على المواطن يجب أن يكون البديل الآخير، بعد استنفاد جميع الحلول، لكنه لم يستبعد إعادة النظر في فكرة فرض رسوم على التحويلات المالية للخارج بنسبة بسيطة. ونوه العنسي إلى أهمية التأكد من الملاءة المالية للاستثمارات الأجنبية، قائلا إن الاستثمارات التي تدخل البلد بلا رؤوس أموال وتقترض من البنوك العمانية أكثر من 90% من التمويل اللازم لها، فهذه الاستثمارات لا تخدم سوى القطاع المصرفي، بل وربما لا يكون عائداتها مجزية للبنوك بالدرجة الكافية، خاصة في ظل انخفاض الفوائد بالسلطنة عما هي عليه في دول أخرى، في حين أن الاستثمارات الجادة ستدفع ضرائب وجمارك وتشغل مواطنين، وبالتالي ستحقق عوائد للدولة وتنمية للاقتصاد.
وأكد أن عدم فرض ضريبة القيمة المضافة يمكن أن يشكل في حد ذاته محفزا وجاذبا للاستثمارات الخارجية، خاصة من دول محيطة تُفرض فيها هذه الضرائب، مما شكل عبئا إضافيا على الشركات فيها.
اقرأ:
الرئيسي: سلبيات خفض قيمة العملة تفوق الإيجابيات
الغساني: البدائل "مؤلمة".. والأولوية لترشيد النفقات
النبهاني: تحسين عائدات استثمار الأصول الحكومية يعزز من الإيرادات