الرؤية- نجلاء عبدالعال
يرى المُهندس محمد بن أبوبكر السيل الغساني النائب السابق لرئيس مجلس الشورى، أنَّ كافة البدائل في الأزمات الاقتصادية تكون مؤلمة، وأن الأولوية الأولى تبدأ بترشيد الإنفاق غير الضروري وأحياناً إعادة ترتيب الإنفاق الضروري.
ويشرح الغساني أن الخطوة الأولى لأي مؤسسة أو شركة أو دولة أو حتى فرد عادي يُعاني من انخفاض في الدخل هو تقليل المصروفات، وهذا ما بدأت به الحكومة الرشيدة بالفعل، وأصدر جلالة السلطان المعظم- أيده الله- أوامره باتخاذ إجراءات نادت بها الدراسات الاقتصادية منذ فترة طويلة، وتتمثل بصورة أساسية في ضبط النفقات التشغيلية الجارية التي لا يتحقق منها مردود على الدخل. وقال الغساني إنِّه على الرغم من أن البعض اعتبرها إجراءات مؤلمة، لكنها كالعمليات الجراحية اللازمة لإنقاذ الحياة، فالجزء الأكبر من الإنفاق الحكومي يذهب في شكل رواتب، وأحياناً مصاريف ربما عند إعادة التفكير فيما تحققه من مردود لا تكون كبيرة أو على الأقل يمكن تأجيلها لمرحلة تالية. وأضاف: "لذلك كانت الإجراءات التي اتخذها جلالة السُّلطان والحكومة تعكس مستوى الحكمة والحصافة، لأنها تستهدف ضبط الإنفاق التشغيلي إلى أقصى حد، مع العمل على تعزيز الموارد غير النفطية وإعادة هيكلة استثمارات الدولة وجمعها في بوتقة واحدة لتدار وتراقب وفق منهج واحد وخطة واحدة".
وأكد أنَّ الهدف الرئيسي من هذه الخطوات هو تخطي الأزمة المالية دون التأثير على حياة المواطن العادي، مشيراً إلى أنَّه إذا كانت هناك إمكانية لتفادي فرض رسوم جديدة سيكون أفضل كثيرًا، لأن فرض رسوم أو ضرائب في ظل حالة الانكماش قد تفضي لنتائج عكسية ويكون تفاديها أو تقليلها محققًا لفائدة أكبر، ولذا يتعين علينا اختيار الرسوم التي يمكن فرضها بما يضمن أن تدر دخلا ولا تضر بالحركة الاقتصادية في الوقت نفسه. وضرب مثالا بالضريبة الانتقائية، لأنها تفرض على منتجات في غالبيتها العظمى مستوردة، والاستيراد يُؤثر على اقتصادنا في ظل قلة مواردنا من العملة الصعبة التي يتم الاستيراد بها.
ويقول الغساني إنَّ السواد الأعظم من سكان السلطنة -سواء مواطنين أو وافدين- على سبيل المثال يستخدمون سيارات سعرها في حدود 10 آلاف ريال، لكن هناك آخرين يستخدمون سيارات تزيد أسعارها على 25 ألف ريال، وهذه الفئة من المؤكد أنها قادرة على دفع رسوم أكبر، ومن ثم فإن فرض ضرائب على ما يزيد عن حاجة الفرد العادي أو ما يطلق عليها الكماليات، سيكون له مردود اقتصادي فضلاً عن ضبط ثقافة الاستهلاك والتباهي غير المقبول.
ويلفت الغساني الانتباه إلى نوع من الرسوم أو الضرائب قد تكون غير صحية وتتسبب في نتائج عكسية، خاصة إذا كانت نسبتها مرتفعة ولا يقابلها أي مبرر، بينما إذا ما وضعت بشكل تدريجي يراعي كل حالة على حدة سيكون لها مردود أفضل وأكبر وسيضفي حالة من الرضا على الجميع، ومنها على سبيل المثال الرسوم على عقود الإيجار، والتي يمكن أن تعدل بحيث تراعي شرائح المجتمع المختلفة.
وحول ملاءمة ضريبة إضافية سواء الدخل أو غيرها، يرى الغساني أنها يمكن أن تلقى القبول المطلوب إذا تم توضيح مردود هذه الضريبة على المواطن، أو كما تسمى في الأدبيات الاقتصادية "أموال دافعي الضرائب". واستبعد الغساني أن يعترض المواطن على دفع ضريبة من دخله لوطنه، إذا كان على علم بقنوات إنفاق حصيلة الضريبة التي يدفعها، وأن هذه القنوات ستصب في صالحه وصالح أبنائه، بل إن الناس مع الشفافية ستُرحب بالضريبة إذا ما علمت أن هذه أموال الضرائب أفادت بلدهم ومستقبل أبنائهم، ولن يتأتى هذا سوى بإشراك الناس في آلية تمكن المواطن من التعرف على كيفية إنفاق أموال الضرائب سواء عبر تقارير فصلية أو عبر وسائل الإعلام.
ويتطرق المهندس محمد الغساني إلى بديل آخر يصفه بـ"الاقتراض التنموي" الذي يستهدف تنفيذ مشروعات تدر عوائد بمجرد انتهائها لتسهم هذه العوائد في سداد خدمة الدين ثمَّ سداد الدين وتحقيق الأرباح. وأوضح أن هذا النوع من القروض مرحب بها، ويرتبط بمشاريع لا تحقق مردودا على وضع العجز والدين العام وحسب، بل أيضًا تنعكس على نظرة الجهات التمويلية وتقييم التصنيف الائتماني، مشيراً إلى أنَّ هذا الاقتراض يهدف إلى إنهاء مشاريع يجري العمل فيها وترفع من درجة ثقة المستثمرين، لأنهم سينظرون إلى دولة تنفذ مشاريع رغم الأزمة فتتشجع للاستثمار فيها.