العسكريون العمانيون العاملون في الخليج

 

د. عبدالله باحجاج

علمت أمس وأمس الأوَّل، أنَّ قضية العسكريين العُمانيين العاملين في دول الخليج لا تزال قائمة، وكم كانت المُفاجأة؟ فكيف ومن أين يعيشون دون راتب تقاعدي لسنوات عديدة ومُؤلمة؟ وقد اطلعت على قوائم عددية كبيرة، بعضها ترجع إلى عام 2010، وفي قوائم عام 2016 أحيل 88 إلى التقاعد، وهذا يعكس لنا حجم الأعداد المُحالة للتَّقاعد في فئة العسكريين العمانيين العاملين في الخليج، ويعكس لنا كذلك حجم مُعاناتهم بالسنين العددية، وإذا لم نُسارع في حل ملفهم، فإنَّ الأعداد ستتضاعف، فمسيرة تقاعدهم مستهدفة سنويًا، مما قد يستصعب علينا الحل بتراكم الأعداد السنوية.

الحديث هنا عن حق من حقوقهم أسوة بغيرهم الخليجيين العاملين في القطاعات الحكومية والخاصة الذين يتمتعون براتب تقاعدي بعد تطبيق قرار قادة دول المجلس الخليجي عام 2007 بإصدار النظام الموحد لمد الخدمة التأمينية على كل مواطني دول الخليج الست، فأي مواطن خليجي يعمل في إحدى دول المجلس الست يمتد قانونه التقاعدي الوطني إلى الدولة التي يعمل فيها.

وقد تناولنا قضيتهم في عدة مقالات منذ عام 2015 بعد شمول العسكريين للمظلة التأمينية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2010، فقضيتهم قديمة وجديدة، وقد كانت تحتاج لمُتابعة مُكثفة من مؤسساتنا العمانية، غير أن هذا لم يحدث، فغرقت قضيتهم في البيروقراطية رغم صرخاتهم، فأغلبهم كانوا يعملون في الإمارات في مختلف قطاعاتها العسكرية، والقلة في قطر والكويت، وقضيتهم مفصل درامي من مفاصل قضية عامة تتجدد الآن من قبل الرأي العام، فعندما يُعاني أي مواطن خارج وطنه من سوء مُعاملة أو هضم حقوق عادلة، فلا نجد من يتحمس للدفاع عن قضاياه رغم أنَّ الدولة قد أنشأت مؤسسات متعددة للدفاع عن حقوق المواطنين وتنظيم مصالحهم في إطار منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه مرحلة نتمنى أن تكون من الماضي، ونتمنى اختيار أطر وكوادر يقاس نجاحها كذلك بالرضا الاجتماعي.

وعنوان المقال يلقي بظلاله على قضية من قضايا هذا الماضي، لا تزال تنتج الآلام ومعاناة على الكثير من العُمانيين الذين أفنوا شبابهم في خدمة دول شقيقة، وعوملوا في إحداها بصور تعسفية غير لائقة- سيأتي ذكر أهمها لاحقاً- ومفاجأتي أنهم حتى الآن لم يستلموا مرتباتهم التقاعدية في وقت كنَّا نعتقد أن قضيتهم العادلة والإنسانية بامتياز قد تمَّ تسويتها، غير أنَّهم أكدوا لنا أنها لا تزال تراوح مكانها في محطتها الأخيرة.

هذه القضية ذات أبعاد إنسانية خالصة، أولى بالتعاطف مع أصحابها، فحقهم في الراتب يفترض أن يستحقوه تلقائياً بموجب قرار القادة، وبموجب كل الأبعاد الإنسانية والاجتماعية، بل إن تاريخية معاناتهم وما تعرضوا له من ظلم في وضح النهار في بعض دول العمل، ليدفع بالمسؤولين في بلادنا إلى العمل على تحصيل حقهم في الراتب التقاعدي فورا وليس تجميده حتى الآن في وزارة المالية.

فتاريخية معاناتهم، كانت تتراوح بين الفصل التعسفي دون حقوق مالية، وتحويل عقودهم من دائمة إلى مؤقتة، ونقل خدماتهم من مؤسسات حكومية إلى شركات، ونزول مرتباتهم إلى الأدنى، وقد تناولناها في عدة مقالات سابقة منذ عام 2015، ولما جاء الاعتداد لهم بمرتبات التقاعد بناء على قرار قادة الخليج، وجدوا أنفسهم أمام معاناة أخرى، بدأت بعدم احتساب سنوات عملهم السابقة على قرار القادة، وقد تمَّ حلها؛ إذ لا يُعقل أن يستهدف قرار القادة المستقبل دون الماضي.

ومن ثم انتقلت معاناتهم السيكولوجية والزيارات المكوكية بين عواصم خليجية على نفقتهم الخاصة بسبب محاولة حرمانهم من احتساب البدلات بما فيها العلاوات من راتب التقاعد، والسبب اختلاف الأنظمة بين بلادنا والشقيقة الإمارات دون أن تحاول أية جهة حكومية بصورة جادة- آنذاك- التدخل مع الأشقاء لصالحهم، فكلنا نعرف قصور وضعف دفاع بعض مؤسساتنا الحكومية عن مصالح المواطن في الخارج، وهناك قضايا كثيرة، وهذا الموقف يستضعف المواطن، ويجعل موقفه متدنيًا، لأنه لا يحسب له، فلو كان الكل يعلم أنه سيكون وراءه جهد مؤسسي واعلام قوي يعضده وينصره، لما تعرض للتعسف في نيل حقوقه المشروعة والمستحقة.

قضيتهم الآن بعد تلكم السنوات وبحمولتها السيكولوجية والمالية الثقيلة عند وزارة المالية- كما أوضحوا لنا أمس- وتعرقلها ملايين معدودة، فهل ينبغي أن تتعثر في هذه المحطة النهائية بعد أن قطعت أشواطا كبيرة، وانتقلت ما بين خمس عواصم خليجية حسب التواجد العُماني فيها، وتعثرت في بعضها فترات زمنية طويلة، وعانوا من مماطلات مستفزة في دول العمل، واللامبالاة من مسؤولي دولة الوطن المعنيين بهذا الملف.

إننا نناشد المكتب الخاص بالتدخل في هذه القضية عاجلاً، فهي من القضايا التي باركتها ووافقت عليها المؤسسة السلطانية في عهد المؤسس جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وهي من بين الالتزامات العمانية في إطار المنظومة الخليجية، وبالتالي لها صفة المتابعة من قبل هذا المكتب، كما إن هذه المدة الزمنية الطويلة في انتظار استحقاق الراتب التقاعدي، تفرغ قرار القادة من كل مضامينه الحقوقية للمواطنين، وكذلك المضامين السياسية التي هدفها تعزيز مفهوم المواطنة الخليجية، فهذا القرار لم يحقق مبدأ الاستقرار الاجتماعي والطمأنينة للعسكريين العمانيين العاملين في دول المجلس.

وتدخل المكتب الخاص الآن في هذه القضايا هي من قبيل الفعالية والديناميكية للمؤسسة السلطانية لمُؤسس النَّهضة المتجددة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- ونقرأ مشروعية تدخلها من خلال مجموعة إصلاحات وتحولات هيكلية، جعلت أبرزها- مثل المكتب الخاص- تحت تبعيتها لدواعي الحرص على قضايا التنفيذ والمتابعة لضمانة الإنجاز واتخاذ الفعل في الوقت المُناسب.

وقضية هؤلاء العُمانيين، قضية تحتمل كل التوصيفات، وتحتم كل الدواعي، ويكفي أنها من نتاج قرارات قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي، فهي قضية ترتقي إلى مستوى هذا التدخل الرفيع، وبالذات بعد مشوارها الطويل حتى أصبحت الآن عند وزارة المالية، وبمبلغ ليس بذلك الحجم الكبير الذي يستعصي على مرحلتنا الراهنة توفيره، وإذا لم تُحل هذه القضية سريعًا، فإنَّ أعداد من تنهي خدماتهم في الخليج من العسكريين العمانيين في تزايد سنويًا، مما قد يستعصي توفير المبالغ لهم في ظل استمرار المُعاناة الاجتماعية لهذه الفئات، لذلك فهم يحمّلوننا صراحة وبإلحاح مطلب هذا النوع من التدخل العاجل.