بين "سيفيّ" القدر والموت

 

مسعود الحمداني

إلى روح الصديقين العزيزين سيف بن محمد المعمري، وسيف بن ناصر الخروصي (رحمهما الله)..

يُغيّب الموت أعزَّ الأحبّة، يقتلعهم من حقولهم، يزرعهم في غيم الذاكرة، يجعل منِّا مجرد قطع قماش تلعب بها الريح، ويمضي حيث يشاء، ليقتنص فريسة جديدة، يحلّق في سماء الغيب، مُبتعدا بقدر اقترابه، ويقتنص منِّا أجمل الأشياء، التي لم تتح لنا الحياة فرصاً كثيرة لنقترب منها، فنصاب بالهلع، ونصدم بالمُفاجأة، وهول الصدمة.

قبل أيام رحل عنَّا صديقان حبيبان، ذهبا إلى السماء، وتركا خلفهما دمعات المحبين، وحزن الأوفياء، كانا معنا، يبعثان الروح والحياة لمن حولهما، يرميان بصنارة الحب إلى محبيهما، يتشبثان بالأمل، كلاهما سلك نفس الطريق، عملا في نفس المجال، التقيا في ذات الأحلام، تقاسما نفس الحكايات الصحفية، وتنفّسا ذات الحنين، وافترق بهما الطريق إلى مكانين دونهما لقاء وحيد وعابر، لعلهما الآن يقتسمان خبز الحكايات القديمة، ويبتسمان لمن يحبان.

الموت وحده من يُفرّق الأحبة، وحده من يجر عنان الأحصنة إلى مواردها، وحده من يبعث التراب إلى ريح الملائكة، وروح البشر، وحده الموت الذي يمسح عن النفس ابتسامة الأمل، ويشيح بوجهه بعيدًا، يأتي في هدوء، ويرحل في هدوء، يتسلل وحيدًا، ويعود وفي يده أرواح العابرين طريق الحياة، أولئك الذين انتهت حيواتهم، وبقيت حكاياتهم على ألسنة عاشقيهم، ومُحبيهم.

الفقد ليس جديداً علينا، لقد اعتدناه، وعدنا بعد كل غزوة من غزواته إلى أماكننا التي ألفناها، نسترق البصر إلى الضحية القادم، ونسينا أننا نحن من قد يكون الضحية التالية.. يا للغفلة!! ننظر إلى مصائر غيرنا، ونتناسى أنفسنا التي تاهت في دروب الحياة، وسكك الجهل، ولم ننتبه إلا والموت يحكم قبضته على أعناقنا، ويسحبنا بهدوء من أحضان أهلنا، ومحبينا، يرحل بنا إلى حيث لا نعلم، ونطوي صفحة قد لا يتذكرنا بعدها أحد.

ما الحياة إلا بضع خطوات ليس لها نهاية، آمال تتبع آمال، وسراب يتلو سراب، تتقاذفنا الأمواج من كل حدب وصوب، ونحن نتشبث بالآتي الذي قد لا يأتي أبداً، ولكنها إرادة الحياة القوية التي نمسك بحبالها المهترئة الضعيفة دون أن نفلتها إلا ونحن على مرمى من القبر، لا نكاد نرى سوى بقعة مظلمة تحت أرجلنا، ندخل في عتمتها، ونتوه في ظلام دامس إلى يوم يبعثون، وكأننا كرات لهب لا تنطفئ إلا حين نغرق في العتمة الأبدية.. فيا لعبثية الحياة، وسيرتها العجائبية!

رحم الله الصديقين العزيزين سيف بن محمد المعمري، وسيف بن ناصر الخروصي اللذين كانا نعم الصديقين، واللذين رافقاني في مسيرة طويلة منذ صحافة الثمانينات، في جريدة عُمان، ما زالت ابتساماتهما قريبة من القلب، وإخلاصهما دليل على وفاء لكل من حولهما، رحلا، دون وداع، ودون عزاء، فسامح الله زمن "كورونا"، الذي فقدنا فيه أجمل الأصحاب، وأعز الأصدقاء، واكتفينا بمجرد الفرجة عليهم من بعيد، دون أن نجرؤ على إلقاء نظرة وداع أخيرة عليهم، وحبسنا في محاجرنا دمعة حزن لا تنتهي.

ولأبناء ولأهل وذوي الصديقين الراحلين، ولكل من رحلوا عنَّا في هذه الأيام (الجائحة) كل التعازي القلبية، ولا نقول إلا "إنِّا لله وإنِّا إليه راجعون".

Samawat2004@live.com