الجو النفسي للرياضيين

 

د. عبد الحميد الكيتاني

في بداية مشواري كأخصائي علاج طبيعي، كنت أتساءل كثيرا "يا ترى ما الذي يجعل لاعباً يأتي إليَّ قبل المباراة بنصف ساعة ليشتكي من آلام في رسغ اليد" ؟ أقوم بربط الرسغ ومع حرصي بنهاية المباراة على الاطمئنان على حالة اللاعب إذ يفاجئك بأنَّ "الآلام قد تلاشت تمامًا" ؟

وكنت كلما أنظر إلى اللاعب الأسطورة يوسين بولت قبل سباقات الـ١٠٠ متر أصاب بدهشة عجيبة بالثقة العالية التي يتمتع بها هذا اللاعب قبل السباقات، فحالة الاسترخاء التي يظهرها أمام المنافسين وشاشات التلفزيون يخيل لك بأنَّه على وشك الدخول في تدريباته العادية اليومية، وترى من بجانبه إما أنه يغمض عينيه ويعيش في جو لا نعلمه كمشاهدين، وآخر وكأنه يتحدث مع نفسه أو صديق.

 ثم، وبالرغم من تقدمهما في السن، ما الذي يجعل اللاعبين رونالدو وروجر فيدرر، ما زالا يملكان تركيزا وشغفًا للتعلم إلى الآن في الجوانب النفسية، والتغذوية، والحرص على تجنب الإصابات الرياضية بأدق تفاصيلها ؟ بالتأكيد كل هؤلاء اللاعبين يملكون مهارات فنية وتكتيكية عالية في لعباتهم الرياضية، لكن الجانب النفسي لدى هؤلاء لعب حتماً دورا كبيرا في الوصول إلى هذه المرحلة من النجومية والبزوغ !!

 لقد أدركت أهمية الجانب النفسي منذ بداية مشواري مع منتخب الناشئين في سنة ٢٠٠٠ وأدركت كذلك أنَّ هذا الدور، وإن كان غائبا في الكثير من الأندية والمنتخبات، فإنِّه لا يقتصر فقط على الأخصائي النفسي، فوجودي كأخصائي علاج طبيعي يتطلب كذلك الإلمام بهذا الجانب والمهارات المصاحبة له. وكذلك المدرب ومعاونيه لابد أن يتمتعوا بالمهارات النفسية. فبالإضافة إلى الجوانب الفنية العالية التي يتمتع بها (وأنا لست خبيرا بها) لماذا نرى المدرب يورجن كلوب (مدرب ليفربول) اهتمامه الكبير في هذا الجانب؟ لقد شاهدت إحدى لقاءته التلفزيونية في مكتبه بنادي ليفربول ولفت انتباهي وجود عدة كتب مُتعلقة بالجانب النفسي في رف الكتب خلفه !! يصفه البعض بأنَّه "الأخ والأب لأنه يحب معرفة حياة لاعبيه خارج الملعب والكل لا يمانع بذلك لأنه كسب قلوبهم"، من أقواله المشهورة " من السهل معرفة التفاصيل المُتعلقة بالجوانب الفنية للاعب، لكن أن تعلم من هو؟ بماذا يؤمن؟ كيف وصل إلى ما وصل إليه! ماذا سيفعل بعد التمارين هي التفاصيل المهمة لدي". إنه التفوق في الجانب النفسي والإدراك الفائق الذي يتمتع به المدرب في شحن معنويات اللاعبين النفسية وتهيئة الظروف المناسبة لهم قبل الشروع في التمارين أو المباريات على حد سواء !

 إن جانب تحفيز الأداء الرياضي ينبع أو يصدر من العوامل النفسية التي تؤثر على الأداء الرياضي، هذه العوامل النفسية تشمل عادة الخوف، الفزع، التركيز، الثقة، الحافز المادي أو المعنوي، التهيئة النفسية وكذلك شخصية الرياضي. ونحن هنا عندما نذكر جانب الأداء لرياضي فإننا لا نعني بأيِّ حال من الأحوال أنها تقتصر فقط على الرياضي المحترف، بل إن هذا الجانب يشمل أيضًا جميع فئات ممارسي الرياضة بدءًا من فئات العمر الناشئة وصولاً لكبار السن سواء كانوا يمارسونها لغرض الترفيه أو متواصلين بشكل جدي في المسابقات والبطولات.

ولكن تبقى النقطة المهمة في هذا الجانب هي أن العقل والمشاعر (الأحاسيس) تؤثر على الجسم والبدن، وطبقًا لهذه القاعدة الشائعة فإنه جدير بنا القول بأن وضعية وطريقة تفكيرنا له وقعه وأثره الكبير في درجة عطائنا الجسماني أو البدني. ففي المسابقات الرياضية مثلاً، عادة ما نقارن المهارات الجسمانية عند اللاعبين، ولكن تبقى مسألة الفوز أو الخسارة هو في المهارات الذهنية والسيكولوجية عند هؤلاء اللاعبين. ومن أهم هذه المهارات النفسية/السيكولوجية هي ١- مخاطبة النفس أو الذات، ٢- التصور الذهني أو الخيالي و٣- مهارة وضع الأهداف. والحق يقال بأن من أبرز الكفاءات العمانية في هذه الجانب (مجال علم النفس الرياضي) هو لاعب منتخبنا سابقًا الأخ خالد عباس وسأكون سعيدًا بسماع بعض مداخلاته في المجال.

تعليق عبر الفيس بوك