الكتاب يرصد ملامح وأبعاد "الأزمة المؤقتة" وآليات الاستعداد للمستقبل

"الاقتصادات في عصر كوفيد- 19".. رؤية مغايرة لتفادي التفكك طويل الأمد

الكتاب يطرح استراتيجية الخروج من الأزمة القائمة على الاختبار والاحتواء

تأسيس مؤسسات وطنية لاحتواء الأوبئة مستقبلا وضمان استجابة دولية منسقة

ترجمة- رنا عبدالحكيم

فجرت جائحة كوفيد-19 معلومات كثيرة- معظمها خاطئ- وكم هائل من الآراء- الكثير منها لا يقوم على أساس سليم- حول الفيروس التاجي وعلاقته بالاقتصاد، ما تسبب في تشيت الرأي العام، في ظل الفظاعات اليومية حول معدل الإصابات والوفيات بهذا المرض.

الباحث الاقتصادي جوشوا جانز يذهب في كتابه الصادر حديثاً بعنوان "الاقتصادات في عصر كوفيد-19"، للحديث عن الفوضى قصيرة المدى، وإلقاء نظرة ثاقبة ومنهجية على كيفية اتخاذ الخيارات الاقتصادية في استجابة الدول لكوفيد-19. ويوضح جانز أنَّ احتواء الفيروس وتعطيل الاقتصاد مؤقتًا- دون ترك الشركات تفشل ويفقد الناس وظائفهم- كانت الخطوات الأولى الضرورية.

ويحدد جانز في هذا الكتاب مراحل "اقتصاد الوباء"، من الاحتواء إلى إعادة التنظيم إلى الانتعاش والتحسين، محذرًا من التفكير فيما يتعلق بـ"المفاضلة" بين الصحة العامة والصحة الاقتصادية. ويوضح جانز أن الاحتواء يمنح الاقتصادات الفرصة لتطوير اختبار فعَّال يجعل من الآمن على الناس أن تعيش في ظروف شبه طبيعية. فبمجرد احتواء الفيروس، ستحتاج الاقتصادات إلى التوجه نحو الابتكار، ومن ثم يجتمع الجميع للتخطيط بشأن كيفية حماية البشرية من الأوبئة مستقبلًا. ويُسلط المؤلف في كتابه الضوء على الأدوات السياسية التي قد تساعد على تحقيق الانتعاش الاقتصادي، وتميز بين الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الوباء تلك التي يسببها الركود.

ولا يقتصر الأمر على إنقاذ الأرواح على المدى القصير، إذ يكتب جانز: "يمكن أن يكون السعي وراء الصحة العامة متسقًا مع الأداء الاقتصادي المتفوق على المدى الطويل".

وثمَّة سؤال يطرحه المؤلف حول كيفية إدارة الأزمة في حالة التوقف المؤقت للاقتصاد. وهنا قد تصطدم الأيديولوجية مع الواقع. ويقول جانز إنه إذا كانت الدول بحاجة ماسة إلى أقنعة أو أجهزة تنفس، فليس هناك وقت لطرح الأمر في عطاء أو مناقصة، واتباع آليات السوق للاختيار بين من يحصل على العقد ويُقدم المنتج. إذ يجب أن تكون هناك عملية صنع قرار وتخصيص مركزية، حتى لو كان ذلك يخاطر بدرجة من "عدم الكفاءة".

لكن كيف نحافظ على الاقتصاد في ظل الإغلاق، دون ظهور تصدعات عميقة؟

يقول المؤلف إنَّ الحكومات أدركت بشكل عام أنه يجب أن تساعد في تغطية أجور العاملين، لكن تفاصيل هذه المسألة صعبة للغاية، فخيارات تقديم المساعدة المالية لدفع الفواتير، مثل الإيجارات والقروض العقارية، وتعليق تلك التكاليف أو تغطيتها مباشرة، لا تتم بصورة متكافئة. ويضيف جانز أن هدف الإعانات والقروض يجب أن يكون "لضمان عدم ترجمة الاضطرابات قصيرة المدى التي يعاني منها الناس إلى حالات تفكك طويلة الأمد". ويقترح أن أحد الحلول هو سداد القروض الحكومية مع مرور الوقت من خلال الضرائب.

ويتطرق جانز إلى دراسة مقارنة مع الوضع الحالي، إذ يقارن جائحة كوفيد-19 مع جائحة الإنفلونزا التي تفشت عام 1918. ففي الجائحة الأولى كانت العواقب الاقتصادية معقدة لأنها حدثت مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى، فقد أدى حشد القوات إلى تفاقم تفشي الفيروس. ويذكر جانز أيضًا تفشي وباء الإيدز في إفريقيا، والذي كان في بعض المناطق مدمرًا، وخلف أعداداً هائلة من الأيتام، وأضر بالقوى العاملة، وأعاق التنمية الاقتصادية.

ويرسم جانز استراتيجية الخروج من الأزمة، فيقول إننا بحاجة الآن إلى "الاستثمار في اقتصاد الاختبار"، على سبيل المثال لتحديد من يمكنه العودة بأمان إلى العمل ومراقبة السلامة في مكان العمل. وأشار إلى أن "البلدان والمناطق التي تمكنت من اختبار وتعقب المصابين ومن ثم عزلهم، نجحت في احتواء الفيروس بسرعة وإعادة فتح اقتصاداتها في وقت أقرب"، في إشارة تأييد لسياسات منظمة الصحة العالمية. ويقول إنه حتى مع طرح لقاح، من المرجح أن تظل الاختبارات جزءًا من حياتنا اليومية لسنوات عديدة.

ويقدم المؤلف في كتابه مناقشة مفيدة حول كيفية تخصيص اللقاح على النحو الأمثل عندما لا يتم إنتاجه بكميات كافية للجميع؛ حيث يدرس كيف يمكن تحفيز الابتكار لتطوير اللقاحات دون الاعتماد على قوى السوق وتسجيل براءات اختراع لما هو بوضوح "منفعة عامة عالمية".

وثمة مناقشة سابقة ربما يكون قد استخلصها جانز حول تطوير الأدوية والعلاجات التي يكون العالم في أمس الحاجة إليها، والتي يبدو من غير المرجح أن تحقق أرباحًا لشركات الأدوية، مثل المضادات الحيوية الجديدة وعلاجات السل.

وعلى غرار حالات تفشي وبائي سابقة، يؤيد جانز إنشاء مؤسسات وطنية تضم "مجموعة من الموارد لاحتواء الأوبئة في المستقبل وضمان استجابة دولية منسقة". وهذه المؤسسات- وفق وجهة نظر جانز- ستكون أشبه بصندوق النقد الدولي من منظمة الصحة العالمية، ولن تركز بصورة أساسية فقط على الأدوية، لكن أيضًا على دعم الابتكارات لتعزيز الحماية من العدوى في العمل وفي وسائل النقل العام.

ويحدد جانز الخيارات الاقتصادية بسهولة ويسر، لكن مع الابتعاد عن السياسة، ويمكن القول إن هذا الكتاب لا غنى عنه لأي شخص مهتم بمعرفة الآثار طويلة المدى لأزمة كوفيد- 19 الحالية.

تعليق عبر الفيس بوك