الإعلام الجديد والآفات الضارة

نمير بن سالم آل سعيد

مَا وصلت إليه الأمور في وسائل التواصل الاجتماعي المُنطَلق من الحيز الجغرافي العُماني، لا يمكن السكوت عنه، وبحاجة لمراجعة وتنظيم عاجل، كما أنَّ الفضاء الإعلامي المفتوح لعُمان من غير المنطقي أن يظل مفتوحا لمن هبَّ ودبَّ، دون رقيب أو حسيب.

وقد كُنا وما زلنا نعوِّل على إصدار قانون الإعلام الجديد لتنظيم هذا المجال، لكن ونظرًا لتأخر صدوره، أصبح هذا القانون الجديد قديمًا! وبحاجة لتحديث في ظل تسارع وتيرة التطور الإعلام الإلكتروني بصورة مستمرة، على أنْ لا يكون هذا التحديث سببًا آخر للتأخير في إصدار القانون؛ فالضَّرورة تستدعي التعجيل في إصدار القانون الإعلامي ولوائحه التنفيذية. لا سيما وأنَّ البعض يسيء أحيانا لبلده ومجتمعه عند المشاركة بمقاطع إلكترونية في الإعلام الجديد -أو ما يُسمَّى بوسائل التواصل الاجتماعي- نظرا لغياب الأنظمة والقوانين الإعلامية التي تنظم هذا المجال.

لا شك أنَّ هناك شخصيات تحمل الهُوية العُمانية في وسائل التواصل الاجتماعي، تقدِّم الجديد والمفيد دون ابتذال وتمرُّد على قيم المجتمع وعاداته وتقاليده. لكننا نرى البعض يصدِّر الفوضى والتفاهات والوقاحة والخلاعة؛ سواء كانوا من النطيحة والمتردية ومن على شاكلتهم، إضافة الى المضطربين ذاتيًّا ممن يعانون من خلل عقلي ونفسي، وجدوا في هذه الساحة الإلكترونية مَرتعًا لهم ومَرعى، وأيضا هؤلاء الباحثين عن الأضواء للحصول على الاهتمام والشهرة، ولم يجدوها إلا من خلال تشغيل كاميرات التصوير ونشر مقاطع لا مضامين لها، سوى السخافة والميوعة والخبل؛ من أجل استجداء إعجاب زائف ولفت الانتباه!!

قد يظنُّ البعض -وهو خاطئ- أنهم قد نالوا حظا من الشهرة، لكنهم في الحقيقة ليسوا إلا مصدرا للسخرية والضحك عليهم، وقد جعلُوا أنفسهم حالة استهزائية، ومثار تهكُّم من قبل عموم الناس؛ القاصي منهم والداني.

الغريب أنَّ هذه الفئة لا تتعظ ولا تقبل النصح والإرشاد من العامة، وتعتقد أنها على حق في أن تفعل ما يحلو لها، على الرغم من أن ما يصدر عنها من إساءة للمجتمع العماني وعاداته وتقاليده، لا حق لهم فيه، وآثاره ضارة، إذا تراكمت، خاصَّة فيما يتعلق بسُمعة البلد ككل. فعلى سبيل المثال؛ إذا ظهر شخص مائع في وسائل التواصل الاجتماعي يرتدي الزي العماني، ويتحدث باللهجة المحلية العمانية، ويرقص بخلاعة، سيتبعه بعد ذلك أمثاله من المائعين في الظهور، فماذا سيعتقد المتابع من الخارج هُنا؟ وقس على ذلك أمثلة سلبية عدة تظهر في وسائل تواصلنا الاجتماعي، والتي تَتَجاوز حدودها من الخاص إلى العام، بسرعة كالنار في الهشيم، على الرغم من التعليقات المستهجنة من المجتمع من هذه التصرفات الإنترنتية العُمانية السيئة المقدَّمَة من البعض.

غير أنَّ هؤلاء يجدون في هذه التعليقات الرَّافضة لتصرفاتهم نوعا من تأكيد تحقق وصولهم وشهرتهم، ليظهر الحساد والحاقدون عليهم ليطبقوا المثل القائل على ذواتهم: "لا تُرمى بالحجارة إلا الشَّجرَة المثمرة"، بينما هم ليسوا إلا نباتات ضارة خبيثة؛ لذا نجدهم يستمرون في غيهم، ليصدُق عليهم القول: "من أمن العقاب أساء الأدب"، ويُؤكدون أنْ لا أحد يخصُّه ما يبدر منهم من أقوال وأفعال، وكأن ما يصدر عنهم من ابتذال يحدث خلف أبواب مغلقة في حُرمة بيوتهم، وليس على مرأى ومسمع من الجميع! لذا؛ فهم عندما يرتدون الزي العُماني ويتحدثون اللهجة العُمانية فهم لا يمثلون أنفسهم فقط، وإنما يُمثلون المجتمع العماني ككل بهويته الراسخة، وعاداته وتقاليده الأصيلة، وجغرافيته الصَّلبة، بقلاعه وحُصونه وتاريخه العتيد، وعليهم في ذلك أن يُحسِنوا التصرف بأدب، لا بقلة أدب أمام الناس.

لا رَيْب أنَّ لكل مجتمع سلبيات موجودة تطفُو أحيانا على السطح؛ لذا وجب الحذر من أن تتكاثر هذه الآفات الضارة وتزيد، ونحن نُراقب في صمت مميت!

وعلى أصحاب القرار أن يتخذوا القرار في هذا الشأن قبل استفحال الظاهرة، لتقليل آثارها، إذا إستعصى استئصالها؛ وذلك لوضع حد لهذه الفوضى المرسلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال جهة رسمية مدنية مسؤولة قريبة من المجتمع تحميه من الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، وتستدعي هؤلاء لتعديل مسارهم وتوعيتهم بالقانون المتَّبع لوسائل التواصل الاجتماعي في السلطنة، قبل تنفيذ القانون عليهم، إذا لم يرتدعوا مع سبق الإصرار والترصُّد، إضافة لوسائل الإعلام التقليدية ومؤسسات المجتمع المدني، التي نتمنى أن يكون لها دور في التوعية والتوجيه... والله المستعان.