تأمين الماء.. خيارٌ إستراتيجي

إسماعيل بن شهاب البلوشي

أولاً، وللجميع، فإننا وعندما نكتب عن وجهة نظر مفيدة للوطن، فإن ذلك لا يعني بأي حالٍ من الأحوال أن الوطن لم يُبنَى ولم تَكُن فيه إنجازات، بل إنَّ وطني عُمان وقيادته الرشيدة، وما أُنجِز فيه من بنية أساسية خلال الفترة الماضية، ومقارنة بما يمتلك الوطن من مُقوِّمات ومقارنةً بحجم التحدي في الموقع والتضاريس والطقس والواقع الإجتماعي يعتبر معجزة من معجزات الدنيا الثمانية.

لو أنَّ واحداً من بنو البشر ترك الدنيا قبل ألف عام، وجلس معه واحد من هذا الزمن، وتحاورا في مسائل الدنيا، فسيكون حديث الجد بشجون، وهو يقول: يا بني صارعتنا الدنيا وتصارعنا فيما بيننا، وافترقنا أديانًا وقبائل، بل وفخائذ، واقتتلنا قتالاً مريراً، ولقد قيل لكم إن ذلك من عصبيتنا وجهلنا وقلة معرفتنا، وذلك يا بني كله غير صحيح، ففينا الشيخ والزاهد والشاعر والعالم والفنان، غير أن الطعام لم يكن كافياً لاثنين، فحتماً أن ذلك المصير هو الذي ينتظر أي إنسان وفي أي مرحلة وبأي ثقافة؛ فالجوع والحياة متضادان يسبحان في تياراتٍ مختلفة.

لا يحتاج الأمر إلى جهد في معرفة نعمة الماء وكيف تمت حضارات الدول التي امتلكت هذه الثروة العظيمة والأساسية، وأنَّ الخالق عز وجل وعندما يُسكن أي مخلوق في  أي مكان يجعل له من السبل في الحياة، ولكن البشر تختلف في أسلوب ومعرفة وصرفة تسخير تلك السبل لحياة طيبة، وفي العام 2003 كتبت مقالًا عن فرصة استغلال مياه المكيفات في مسقط، نُشِر في جريدة الوطن، تماشياً وحفر المسارات لمياه الصرف الصحي فقط، بإضافة أنبوب آخر خاص بهذا الأمر، وعلى كل مواطن أو مؤسسة أو وزارة أن تجمع كل مياه المكيفات في أنبوب واحد، وتلقائياً تربط بهذا الأنبوب، ولن يصدق الكثير أن كمية المياه من المكيفات وإن وجهت إلى الصحراء لرفدت عُمان بالكثير، وعلى أي حال، فإنَّ هذا الأمر انتهى اليوم، وأصبح أمرًا مكلفًا، ولكن الأهم بل إنني شخصيًّا أراه أولوية قصوى وقبل كل شيء هو تأمين الماء للوطن وللأجيال بأسلوب خاص وبعمر افتراضي أبدي.

إنَّها السدود، ولكن ليست الأسمنتية؛ لأنها أولاً مكلفة ومبالغ جداً في تكلفتها، وقد أثبت ذلك جليًّا وبكل وضوح من خلال إقامة سدود كثيرة من قبل الأهالي وبنفس الشروط أنَّ المقترح الذي أضعه اليوم أمام صُنَّاع القرار هو السدود الترابية، والتي تكون تكلفتها أقل، وعمرها الافتراضي أبدي، ولا تحتاج إلا إلى تصريف للماء الزائد عن طريق أنابيب خاصة على ارتفاعات معينة في جسم السد، وكذلك فكرة السدود تحت الأرض، وذلك بإزالة كمية معينة من التربة بعد مسافة من السدود الحالية، وإعادة ملؤها بمواد حجرية من نفس الأودية، وكل هذا يمكن أن يكون بعد تجارب معينة، علماً بأنني تقدمت أيضاً بهذا الأمر من خلال بحث مصغر إلى مجلس البحث العلمي، الذي وجهني بدوره إلى المختصين في جامعة السلطان قابوس، والذين قدمت لهم إيجازًا وشرحًا عن الفكرة، وتم الاتفاق على عمل تجربتين مصغرتين على واديين باتجاه الصحراء وواديين باتجاه البحر، ولقد مضى على هذا الأمر سنين أيضاً ولم يرَ النور.

أتمنَّى أن يكون يوماً في وطني رُؤية خاصة وعاجلة في موضوع المياه؛ لأنَّ طبيعة السلطنة تتوقف الأمطار سنين، ولكن في بعض منها تُمطِر مُعوِّضة كل تلك السنين فعلينا الاحتفاظ بها.

كما أنَّ الخالق عز وجل حَبَا عُمان بطبيعة جبلية وأماكن سدود عملاقة بها فتحات صغيرة جدًّا لا تتعدى الأمتار القليلة وتحتاج إلى غلق وكأن الخالق عز وجل يقول لنا إنني أعطيتكم قصوراً فركبوا لها أبوابًا فقط.

فماذا لو تمَّ اختيار أماكن معينة مثلاً في الجبل الأخضر وأغلقت بالمواد التي يحفر بها المواطنون أساسات بيوتهم، إنني أجزم أن الجبل اليوم شيء آخر، ومقابل مبالغ رمزية جداً.

المياه في الوطن، وعندما كان أعداد البشر في القرى لا تصل إلى 10% مما هي عليه اليوم، كانت لا تكفي، فكيف لو أن في دورة الأيام المقبلة اصطدمت المصالح على مستوى العالم، فماذا لعلنا فاعلون أو أبناؤنا أو أحفادنا؛ فلماذا لا ننظر بعيداً، ونحسب للظروف برؤية أكثر عمقاً، مستفيدين من الثورة العلمية والصناعية والأدوات المتوفرة في هذا العصر، ونؤمِّن غذاؤنا بل أن نُصدِّر كما تصدر دول العالم.

مرة أخرى، وإلى ما لا نهاية، إنما أضع الخطوط العريضة للفكر، فلو كان هناك من يستمع وأُعطى الأمر أهمية، لكان من عقول أهل عمان من يضع تفاصيل وأفكار وتكاليف لا يمكن تخيلها.

وأخيراً.. إن أقصى أنواع التواكل هو الاعتقاد بأن المال وحسب هو من يعمل بديلاً وتبقى العقول راكدة.

تعليق عبر الفيس بوك