قرار نقل الإقامة المُثير للجدل!

 

 

حمود بن علي الطوقي

سأقُولها بالفم المليان -كما يقول إخواننا المصريون- وداعًا لتلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي ستتضرَّر بشكل كبير من القرارِ الذي أصدره مَعَالي الفريق المفتش العام للشرطة والجمارك، بتعديلِ بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون إقامة الأجانب، والمتعلِّق بإلغاء شهادة عدم ممانعة انتقال العامل غير العُماني من مُؤسَّسةٍ لأخرى، وسأشارك الآراء والاعتراضات التي أشعلتْ شبكات التواصل الاجتماعي؛ رافضةً هذا القرار، وداعية لمُناقشته من جديد، وعلى رأسها ملاحظات غرفة تجارة وصناعة عُمان كجهة تُمثِّل بيت التُّجار، والتي اعترضت على القرار، مُوضِّحة الآثار السلبية المترتبة عليه.

في اعتقادنا أنَّ هذا جاء في وقت غير مُناسب، فالاقتصاد يُعاني من العديد من التحديات بسبب نشوء الأزمة النفطية من جهة، والآثار الناتجة عن جائحة كورونا من جهة أخرى؛ مما يُثير العديد من الأسئلة الواقعية والمطالبات المنطقية بإلغاء هذا القرار وإبقاء المادة كما كانت سابقا، كحلٍّ حتى تتم معالجة تشوهات قانون الإقامة وقانون العمل.. أسئلة عديدة ساقها الرَّافضون لهذا القرار، وتعالتْ الأصوات من رجال الأعمال ومن رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مُحذِّرة من النتائج الوخيمة من جراء تطبيق هذا القرار الذي سيكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير؛ إذ ستضيع تلك الجهود الداعمة للقطاع الخاص سُدى، خاصة جهود الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ريادة)، وصندوق الرفد، وغرفة تجارة وصناعة عُمان؛ الأمر الذي سينعكس على الأداء الاقتصادي، وغلق العديد من المؤسسات الصغيرة وخروجها من السوق، تخوُّفا من استفادة العامل الوافد من هذا القرار، الذي جاء ليقوِّي شوكته ويعظِّم من قدرته على الهيمنة، كما سيُسهِم القرار في تعميق وتوسيع الفجوة من زيادة عدد شركات التجارة المستترة وعمل الوافدين دون ضوابط تنظيمية؛ كون القانون سيُعطيهم الحق في التنقل من وظيفة لأخرى متى ما أرادوا ووقتما شاؤوا! ولا شك أنَّ انعكاس هذا القرار سيظهر على السطح من السنة الأولى، وسوف تتولَّد نزاعات بين صاحب العمل والعامل، وكون القانون أنصف العامل فسيفوز بالقضية وسيخسر المواطن جهوده وشقاءه من أجل تأسيس مؤسسة صغيرة، وسيضطر في نهاية المطاف إلى غلق المؤسسة والتوجُّه للبحث عن عمل ووظيفة تُعِينه على مُواجهة مُتطلَّبات المعيشة والحياة.

ما زالت هناك العديد من الأسئلة العالقة في حنجرة المتضررين، وتبحث لها عن إجابات؛ من منطلق لا ضرر ولا ضرار، لكن الواقع يقول إنَّ تطبيق هذا القرار سوف يضرُّ، ويكون سببًا في إغلاق عدد من شركات القطاع الخاص، بما فيها الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي بدأ يشتد عودها، مستفيدة من قرارات ندوة "سيح الشامخات"، ومن إسناد بعض المناقصات الحكومية لها. هذه الشركات ستتضرر من انتقال العامل الوافد من شركة لأخرى، وفقاً لمصلحته، دون النظر للأضرار التي ستقع على صاحب العمل السابق الذي أتَى به ودرَّبه وعلمه وتعرف على أسرار العمل في المؤسسة، وكل هذه الجوانب لا يهتم بها العامل الوافد لأنه يبحث عن مصلحته، دون أن يلتفت لمصلحة الشركة الصغيرة التي كان جزءًا منها، ولن يهتم بمسألة غلق هذه الشركات بسبب الانكماش الاقتصادي.

من الواجب علينا ككُتَّاب وصحفيين أن ننبه الجهات ذات العلاقة، إلى أنَّ تطبيق هذا القرار غير مُجدٍ في هذا الوقت، ونرَى إحالة هذا الملف من جديد إلى مجلس الدولة ومجلس الشورى، على أن يُؤخذ بمرئيات ووجهات نظر غرفة تجارة وصناعة عُمان؛ كونها تمثل بيت التجار وتشعُر بمعاناتهم؛ فالقرار لابد أن يكون مُنصِفا ولا يخدم طرفًا على حساب آخر.

هذه المرحلة أجدها مُهمَّة لتشخيص الوضع الاقتصادي الراهن، ومعالجة -كما ذكرت- تشوهات سوق العمل وقانون الإقامة؛ فُمعالجة المشاكل القائمة حاليا أمر مهم جدًّا، قبل تطبيق أية قرارات جديدة، ذلك أن الأضرار لن تستثني أحدًا، لا مواطنا ولا وافدا، الكل سينخرط في دوامة التحديات الاقتصادية وعدم قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها، وسيوقع التاجر العماني الذي يدير مؤسسته في مأزق، وسنرى أنه سوف يتخلَّى عن مؤسسته مجبرا، وسينضم إلى الطابور الطويل للباحثين عن العمل!

 

ما الحل إذن؟

نعتقدُ أن الحل إعطاء مُهلة طويلة لا تقل عن 5 إلى 7 سنوات، حتى نتمكن من معالجة الأخطاء السابقة، وإيجاد حلول واقعية لحماية القطاع الخاص؛ باعتباره الرافد الرئيس للاقتصاد المحلي، وإلا فإنَّ الغرق في بحيرة إغلاق الشركات سيكون مصير العشرات من الشركات العمانية، التي كانت تبحث عن مجال للمنافسة، فصارت -بسبب هذا القرار غير المُنصِف- في مهب الرياح!

ما نحتاجه حقًّا في هذه المرحلة هو تبنِّي أفكار غير تقليدية، ترفد الاقتصاد الوطني وتشجِّع مؤسساتنا الوطنية، خاصة وأن المرسوم السلطاني الخاص بإنشاء جهاز الاستثمار العماني سيحقِّق للقطاع الحكومي والخاص قفزات قوية، وسيعيد رسم الخارطة الاقتصادية، وتماشياً مع هذا التوجه لا بد من الاستعداد التام للمرحلة المقبلة.