تصاعد الرفض للسياسات الخارجية وتفاقم الأزمات

"ذي أتلانتك": أمريكا تخوض المرحلة النهائية من "عصر ترامب" بعد 3 سنوات من الفوضى

 

ترجمة - رنا عبدالحكيم

قال موقع "ذي أتلانتيك" -المتخصِّص في الشؤون الدولية والأمريكية- إنَّ الولايات المتحدة تخوض المرحلة النهائية من "عصر ترامب"، في إشارة إلى نهاية حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وبحسب مقال للكاتب توماس رايت زميل معهد بروكينجز ومؤلف كتاب "معركة القرن الحادي والعشرين ومستقبل القوة الأمريكية"، فإنَّ أمريكا دخلت خلال حكم ترامب عصر الغطرسة؛ حيث سعى الرئيس إلى العمل بشكل منهجي للتخلص من أصحاب الآراء الحكيمة، وأطلق العنان لنفسه في اتباع نزواته. ومن ثم بدأ مرحلة الحساب، حيث أخذ يواجه التناقضات في نهجه الخاص مع الصين وإيران على وجه الخصوص. والآن وصلنا أخيرًا إلى الأزمة التي لطالما كنا مرعوبين من أن تحدث وها هي قد بدأت.

فلمدة ثلاث سنوات من الفوضى، ظل دونالد ترامب مشوشًا، على الأقل في نظر الجمهوريين، مدعومًا بالاقتصاد القوي الذي ورثه عن سلفه ودعمه من خلال قائمة أمنيات الحزب الجمهوري الطويلة، والتي شملت، من بين العديد من العناصر: التعيينات القضائية، وإلغاء القيود، وإلغاء الاتفاق النووي الإيراني. وعمليًّا تضمن كل تحليل متعاطف مع إدارة ترامب تحذيرًا مفاده أن هذه الأزمة الخطيرة ستؤدي إلى تقويض أي تقدم جمهوري واختبار الرئيس غير المجهز والانتقامي. وفي أعماقنا، كنا نأمل أن تصبح البلاد محظوظة وتمر هذه السنوات الأربع دون وقوع أي تغيير في نموذج الحكم، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

ويرى كاتب المقال أن ترامب عالق في دوامة هابطة، فغير قادر على تنفيذ السياسات اللازمة لمعالجة أي من هذه الأزمات؛ لذا فهو يقوم بتصرفات صادمة، ويتهم الصحفيين بالقتل، وينسحب من منظمة الصحة العالمية، ويحاول مقاضاة المسؤولين في إدارة أوباما، وكل هذه الإجراءات تزيد الأمور سوءًا، لكنه لا يزال يقوم بها مرارًا وتكرارًا.

ويوضح رايت أن السياسة الخارجية ليست أهم قضية تواجه أمريكا في الوقت الراهن، لكن 48 ساعة من الأسبوع الماضي تسلط الضوء على الفوضى المطلقة التي يثيرها ترامب الآن على جميع مستويات الحكومة. وصدق البرلمان الصيني يوم الخميس على قانون أمني جديد لهونج كونج ينهي نموذج "دولة واحدة ونظامان". وأصدرت حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا بيانًا مشتركًا يدين هذه الخطوة. وأدان الاتحاد الأوروبي القانون، لكنه لم يتمكن من الاتفاق على أي إجراءات عقابية. وخلف الكواليس، يعكف الدبلوماسيون الأمريكيون على تنظيم قمة مجموعة السبع، المقررة أواخر يونيو الجاري، حيث سيقدم القادة جبهة موحدة لدعم هونج كونج، عبر خطوات ملموسة، مثل فرض عقوبات على الصين. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكثر حذرًا، لكنها قالت إنها ستشارك في مجموعة السبع بأي شكل من الأشكال "للكفاح من أجل التعددية".

وليلة الخميس، اندلعت احتجاجات على مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد. وأصدر تويتر تحذيرًا لترامب من تهديد بالعنف بتغريدة يقول فيها: "عندما يبدأ النهب، يبدأ إطلاق النار". ورد ترامب بمحاولة صرف الانتباه، وعقد مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أنه سينهي العلاقات مع منظمة الصحة العالمية، وأعلن ردا أحاديا على تصرفات الصين ضد هونج كونج. وفي غضون ساعات، أعلنت أنجيلا ميركل أنها ستنسحب من القمة. وقال ترامب، في اليوم التالي، إنه يؤجل القمة ويدعو روسيا وأستراليا والهند وكوريا الجنوبية للانضمام.

وتأجيل القمة من شأنه أن يدمر أي أمل في أن تدين منظمة متعددة الأطراف -مثل مجموعة السبع- تصرفات الصين ضد هونج كونج. وروسيا مؤيد قوي لموقف الصين، وترى أن هونج كونج قضية داخلية بحتة لا ينبغي أن تكون مصدر قلق لبقية العالم. ويعتقد بعض المراقبين أن الدعوة إلى المزيد من البلدان للانضمام إلى المجموعة تستهدف عزل الصين، لكن تأثيرها العملي تمثل في تحقيق شي جين بينغ فوزًا كبيرًا.

ولم ينته الضرر عند هذا الحد، فالصين تقوم بأدوار قيادية في منظمات الأمم المتحدة، بشكل أكبر من الأعضاء الأربعة الآخرين الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولحسن حظهم، كان بعض المسؤولين في إدارة ترامب يحاولون بناء تحالف دولي لوأد هذا التأثير. وحققوا انتصارا في وقت سابق من هذا العام عندما ساعدوا في حرمان الصين من رئاسة المنظمة العالمية للملكية الفكرية. ووجه إنهاء العلاقات بين ترامب ومنظمة الصحة العالمية ضربة قاضية لهذا الجهد، إذ لن تتبع الدول الأخرى نصيحة واشنطن بشأن الطريقة التي ينبغي أن تدار بها منظمات الأمم المتحدة. ويمهد هذا القرار الطريق أمام الصين للسير قدماً في جهودها لإلغاء المعايير الليبرالية والديمقراطية العالمية، كما إنه يضر بالمصالح الأمريكية الحيوية فيما يتعلق بالصحة العالمية.

ويختتم الكاتب مقالته بالقول إنه لا يوجد طريق للعودة فيما تبقى من عصر ترامب، لكن السؤال الذي يواجه كبار المسؤولين والجمهوريين في الكونجرس والحكومات المتحالفة ليس كيفية إقناع ترامب باتخاذ القرار الصحيح، لكن كيفية الحد من الضرر حتى يمكن إصلاح الإدارة بعد رحيله!

وقد يعني هذا عدم حث ترامب على اتخاذ إجراءات بشأن الأزمات حتى لو كانت تستحق ذلك؛ مثل التحايل على الرئيس حيثما أمكن، وهو ما حدث مع إعلان الحكام الجمهوريين استقلالهم عن زعيم حزبهم، في محاولة لصياغة نهج مشترك من الحزبين داخل الكونجرس حول قضايا السياسة الخارجية مثل التنافس مع الصين في المؤسسات الدولية والحماية من التدخل الروسي، واستخدام عوامل التشتيت الخاصة بهم لتحويل انتباهه عن القرارات التبعية الحقيقية، والتي يمكن تسميتها بـ"تحصين" الديمقراطية الدستورية ومصالح أمريكا الدولية، لكن لا يزال أمام أمريكا 231 يوما طوال من حكم ترامب، مع الأمل بعدم خلق أزمات جديدة.

تعليق عبر الفيس بوك