يوسف بن حمد البلوشي
يُعد التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء أحد الملفات الاقتصادية الكبيرة التي تستدعي تحريكها بديناميكية وإطار جديد يضمن فاعليتها، وهناك العديد من المبررات والمكاسب الاقتصادية والتجارب الناجحة حول العالم، ويتّجه العالم بخطى متسارعة في مسار الطاقة المتجددة وعلى رأسها الطاقة الشمسية للعديد من الأسباب الاقتصادية والبيئية والاجتماعية وغيرها. وفي السياق المحلي، لا نزال نعتمد بشكل مطلق على النفط والغاز كمصدر لتوليد الطاقة في السلطنة ومن المهم الإشارة إلى أنّ السلطنة لديها استراتيجية ورؤية طموحة للتحول في استخدام الطاقة المتجددة ليصل إلى 20% في عام 2030م و30% في عام 2040م.
لا شك أنّ فيروس كورونا أصاب العالم بتسونامي اقتصادي لا يعرف مدّه. وبدأت الدول ومن بينها السلطنة باتخاذ تدابير مالية للحد من تداعياته في المدى القصير. إلا أنّ الأمر يستوجب اتخاذ تدابير اقتصادية في المدى المتوسط والطويل ذكرنا بعضا منها في كتاباتنا السابقة وسيتم التركيز هنا على ضرورة التحول إلى استخدام الطاقة الشمسية في منازلنا ومزارعنا ومصانعنا والمباني الحكومية وذلك للعديد من الاعتبارات نوجزها فيما يلي: إحصائياً تشير أحصاءات التقرير السنوي لهيئة تنظيم الكهرباء إلى أنّ قيمة دعم الكهرباء تصل في المتوسط إلى 650 مليون ريال عماني سنويا، يوجه للمستحق وغير المستحق، وتصل تكلفة إنتاج الكهرباء الكلية في السلطنة إلى أرقام ملياريّة وفي ارتفاع مضطرد وكذلك الحال بالنسبة للحجم الكبير لما يستهلك من النفط والغاز محليا لتوليد الكهرباء وغيرها من الاستخدامات. ومن جانب آخر تشير البيانات المتوفرة إلى أنّ إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة في السلطنة لا زال يراوح منطقة الصفر%. ودون الإسهاب في أحصاءات فنية معلومة لدى المتخصصين ومتخذي القرار فيما يتعلق بنسبة الطاقة المتجددة إلى إجمالي مزيج الطاقة وكذلك ترتيب السلطنة في مؤشر استخدام الطاقة (كلغم من مكافئ النفط للفرد) وكذلك نسبة النفط المصدر إلى النفط المستهلك محليا، ونسبة الغاز الطبيعي المسال المصدر إلى المستهلك محليا. وهي مؤشرات مهمة تبرهن بوجود مساحات واسعة لتحسين وتعزيز الكفاءة.
وتكنولوجياً؛ فإنّ التقدم التكنولوجي السريع ساعد على تقليل تكلفة الإنتاج للطاقة الشمسية إلى حدود منافسة لتكلفة إنتاج الكهرباء التقليدية.
بيئياً؛ الطاقة الشمسية نظيفة ومستدامة وتحافظ على البيئة ومتوفرة طوال السنة ولدينا أهداف أممية في هذا الشأن يجب مراعاتها. وعلى الصعيد المالي والاقتصادي، فإنّ الوضع المالي لا يتحمّل مواصلة دفع فاتورة الدعم، وهدر العديد من الفرص في الحصول على عملة صعبة جراء التصدير بدل الاستهلاك المحلي للنفط والغاز أو الاستفادة منه في مشاريع صناعية تحمل قيمة مضافة محلية وتوفر فرص عمل لأبناء الوطن، ولا شك أنّ الوفورات المالية الضخمة من الدعم وتكاليف إنتاج الكهرباء يمكن توجيهها لتحسين المركز المالي للسلطنة وتحقيق الاستقرار والاستدامة المالية، وإعادة بوصلة الاقتصاد الإنتاجية، وتوفير خدمات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية. التحول إلى الطاقة الشمسية سيساعدنا على تغيير أنماط الاستهلاك والهدر وترشيد الاستهلاك بما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع والدولة. واستثمارياً هناك حاجة ملحة إلى زيادة تنافسية السلطنة، ويلعب توفير الطاقة بأسعار مناسبة دورا هاما للمستثمر المحلي والأجنبي ويشجع قيام مشاريع الشق السفلي والصناعة والتي تعاني حاليا من شح في توفر الطاقة في بعض المناطق وارتفاع تكلفتها. كما يمكن التفكير أيضا، في تصدير الطاقة الكهربائية الفائضة إلى الدول المجاورة. وتتميز الاستثمارات في هذا القطاع في أنّها لا تحتاج إلى مساهمة كبيرة من جانب الحكومة الأمر الذي لن يشكل ضغطا على المالية العامة، حيث تتسابق شركات الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة المتجددة على الاستثمار فيه بطريقة البناء والتشغيل والنقل (Build, Operate, Transfer (BOT)).
وعلاوة على المنافع المباشرة المتأتية من هذا التحول فإنه لا يمكن الاستهانة بالمنافع غير المباشرة الناتجة عن الروابط الأمامية والخلفية لهذا القطاع، حيث من الممكن أن تنشأ مع هذا النوع من الاستثمارات صناعات مختلفة على رأسها صناعة الألواح الشمسية وملحقاتها بدلا من استيرادها، حيث المناطق الصناعية المؤهلة قادرة على احتضان وتطوير هذا النوع من الصناعات. أضف إلى ذلك، نشأة الشركات الصغيرة والمتوسطة المعنية بخدمات التجزئة والتركيب وخدمات الصيانة المرتبطة. الأمر الذي يساعد أيضا في توفير فرص العمل ذات الأجر المرتفع واستيعاب الداخلين إلى سوق العمل في التخصصات الهندسية والفنية وغيرها.
وللتعامل مع ملف توليد الطاقة بشكل عام يجب ألا نغفل إيجاد آليات للتعامل مع السعة الإضافية الكبيرة المتوفرة حاليا في السلطنة والمنتجة من شركات التشغيل الأجنبية وتكلفنا مبالغ طائلة وضرورة التفاوض مع هذه الشركات لتحقيق مكاسب مشتركة، وهنا نود أن نشير إلى أنّه آن الأوان لوجود شركة عمانية في هذا المجال المحصور في الشركات الأجنبية فقط وذلك تحقيقًا لعدد من المكاسب لا يتسع المقال لذكرها. ومن المهم الإشارة إلى أنّ هناك أغفالا لمسار ترشيد الطاقة في السلطنة على الرغم من وجود مساحات واسعة لترشيد والجميع يتفق أنّ تكلفة ترشيد وحدة واحدة من الطاقة أقل بكثير من تكلفة توليد وحدة جديدة، وهنا يمكن دعم التوجه الرامي إلى الترشيد وزيادة استخدام أجهزة التكييف وغيرها من أجهزة وأدوات كهربائية تتبنى مبدأ ترشيد الطاقة.
ويزخر العالم بالتجارب والبرامج والمبادرات في هذا الشأن ومن بين ما تشير إليه هذة التجارب أنّ التحول إلى الطاقة الشمسية كغيره من التحولات لابد من تضافر الجهود بين أفراد المجتمع ومؤسسات الأعمال في القطاع الخاص والحكومة. ودائما ما يكون للحكومة القول الفصل من خلال إيجاد إطار محفز لهذا التحول وتطوير البيئة التشريعية والتنظيمية من الإجراءات البيروقراطية المعقدة والتي تعيق هكذا تحولات وتقديم حوافز مادية في دعم تكلفة تركيب الألواح الشمسية وتشغيلها. وعلى القطاع التمويلي ممثلا بالبنوك بتقديم قروض مالية طويلة المدى بأسعار فائدة رمزية للأسر والشركات، وكذلك الشركات المتخصصة في عمل تركيبات وتوصيلات الطاقة الشمسية. وعلى الحكومة تعزيز ثقافة استخدام الطاقة المتجددة وفوائدها في الأجلين المتوسط والطويل. وللنجاح في هذا المسار لابد من نشر الوعي وتوضيح الفوائد والمبررات في المجتمع العماني حول أهميّة الطاقة الشمسية وخلق ثقافة عامة تطبق في المنازل والمزارع والمصانع والمباني الحكومية لتوفير استخدام الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية وليس بالطرق التقليدية وذلك من خلال حملات توعوية لنشر ثقافة الترشيد، وترسيخ المفاهيم ذات العلاقة بأمن الطاقة، وتشجيع المتعاملين على تبني أفضل الممارسات التي تسهم في رفع كفاءة الاستهلاك، وتقود إلى تحقيق بيئة مستدامة، وهناك العديد من الأدوات المتاحة لتحفيز هذا التوجه منها ضرورة توافق تراخيص البناء والإضافات مع المعايير والمواصفات التي تخدم هذا الغرض. وضع برنامج زمني لرفع الدعم وخطة إحلال لمن يرغب بالتحول إلى الطاقة الشمسية وغيرها من التدابير.
ومن المهم جذب الاستثمار الأجنبي المباشر والدخول في شراكات استراتيجية مع شركات دولية لديها خبرة وكفاءة وفاعلية في التحول من مصادر الطاقة التقليدية إلى الطاقة الشمسية. وفي نفس السياق فإنّ نجاح برنامج عمان تتحول إلى الطاقة الشمسية كغيره من البرامج الاقتصادية التي تنعكس إيجابا في المدى المتوسط والطويل على تعديل هيكل الاقتصاد الوطني، ويحتاج إلى التعامل مع عدد من الاعتبارات تتمثل الأولى في ضرورة تطبيقها على مستوى واسع قادر على إحداث التأثير المطلوب على أنماط الاستهلاك وتوليد الطاقة بحيث لا يكون مقرونا بقطاع معين أو مشروع معين مع وجود منظومة متكاملة من الأطر التشريعية التى تضمن التطبيق. أمّا النقطة الثانية أن تدار من قبل كادر متخصص في هذه النوعية من البرامج ولديه فهم عميق بحيثيات تطبيق مثل هذه المبادرات وسبل نجاحها في الكثير من دول العالم وليس بكادر مثقل بالأعمال اليومية الأخرى. ومن الأهمية بمكان إيجاد إطار عام واضح وشفاف وقانوني وسياسات واضحة يدار من خلالها هذا البرنامج.
والجميع يتفق على أهمية اتخاذ تدابير وإجراءات احترازية لتجنب أية تحديات ترتبط باستمرارية إنتاج الكهرباء وفي نفس السياق أن يصاحب عملية التحول إلى الطاقة الشمسية مراجعة الدعم المقدم في مختلف القطاعات سواء المنزلي، أو التجاري أو الصناعي وتطبيق تعرفة تعكس التكلفة الحقيقية لتحقيق جملة فوائد. مع أهميّة أخذ تدابير لحماية الطبقات الضعيفة وذات الدخل المحدود. وقد يحتاج الأمر إلى قرار سياسي صريح حول إدارة هذا الملف وأنّ التحوّل إلى الطاقة الشمسية مسار لا رجعة فيه تفرضه الظروف الراهنة ويأتي في إطار رؤية عمان 2040 والتحولات المنشودة على مختلف الأصعدة وأنماط الاستهلات والترشيد في الاستهلاك وتحقيق أمن الطاقة.
وختاما.. فإنّ عبقريّة المكان حبت عُمان بميزة نسبية ومساحات شاسعة وشمساً ساطعة طوال العام تتطلب الاستفادة منها في توليد الطاقة الشمسية. أنا لا أتحدث هنا عن الخطط ورؤى حكومية بعيدة المدى قد لا تطبق بشكل فعّال؛ وإنما لنبدأ الحراك الآن ونفسح المجال لأفراد المجتمع ومؤسسات الأعمال في القطاع الخاص والتي ستجد لها فرص أعمال كبيرة مع هذا التوجه.
إنّ الأمر أبسط مما يعتقد الكثيرون؛ وهو ضرورة حتمية لمواجهة التحديات الجسيمة والتحولات العميقة القادمة ويجب أن نبدأ الآن في برنامج وطني لتعزيز وتشجيع ونشر ثقافة استخدام الطاقة الشمسية. وهذا خيار لا مناص منه في ظل تزايد الضغوط المالية وتوافر الإمكانيات والمقومات الطبيعية.