حاصلان على "نوبل" يناقشان الهجرة والتغير المناخي والتجارة الحرة

"الاقتصادات الجيدة في الأوقات العصيبة".. كتاب يجادل بين الرؤى اليمينية واليسارية للقضايا الشائكة

ترجمة- رنا عبدالحكيم

 

يناقش كل من إستير دوفلو وأبهيجيت بانيرجي الحاصلان على جائزة نوبل في الاقتصاد، في كتابهما "الاقتصادات الجيدة في الأوقات العصيبة"، قضية تفاعل الأنظمة الاقتصادية الوطنية مع المتغيرات، وخاصة في وقت الأزمات.

ويبدأ المؤلفان بالتأكيد على أنّ الاقتصادات الوطنية لا تعمل بكفاءة جيدة للغاية، وأنّ المجتمعات أصبحت مستقطبة بشكل متزايد من حيث معتقداتها السياسية، ونظرتها للسياسات العامة. ويرى الكاتبان أنّ ثمة أزمة ثقة كبيرة قائمة بين أصحاب الفكر اليساري واليمينيين. ويدرس هذا الكتاب بعض القضايا الأكثر ازعاجًا وتعقيدًا في عصرنا ألا وهي: الهجرة الدولية، والتكنولوجيا والبطالة، والتدهور البيئي وتغير المناخ، والتفاوتات الاقتصادية الهائلة، والهوس بنمو الاقتصاد الكلي، والتجارة الدولية واندلاع حروب الرسوم الجمركية، علاوة على النقاش حول أحد أشكال دعم الدخل الأساسي لمن يحتاجه.

إستير دوفلو وأبهيجيت بانيرجي.jpg
 

ويوضح المؤلفان منذ البداية أنّهما غير مستعدين لبدء مناقشاتهما بأفكار مسبقة (وغالبًا ما تكون بسيطة) حول ما هو صحيح وما الذي من المحتمل أن يفشل في الطرح، وأنهما يفضلان فحص الأدلة وتبيان الحقائق الإحصائية المتاحة بدقة، قبل الإعلان عما توصلا إليه من تفسيرات أو حلول. ويدعي المؤلفان أنّهما يفضلان أن يكونا مخطئين في هذه العملية بدلاً من تقديم حلول سريعة من "الكتب المدرسية" التي نادراً ما تنجح. وبالتالي، فهما لا يعتمدان فقط على أبحاثهما وتجاربهما الواسعة النطاق، ولكن أيضًا على أحدث الأبحاث التي أجراها علماء آخرون.

وفي كل صفحة من الكتاب، يسعى الباحثان إلى تسليط الضوء على التشوهات التي تتسبب فيها الاقتصادات السيئة وتطرحها إلى النقاش العام، بينما تفكك بشكل منهجي الافتراضات الزائفة. ويرى الكاتبان أنّ المهمة النبيلة والملحة للكتاب تتمثل في "التأكيد على أنّه لا قوانين حديدية للاقتصاد تمنعنا من بناء عالم أكثر إنسانية".

ويمكن القول إن أكبر مساهمة للكتاب تتمثل في تفكيكه المنهجي للحقائق المزيفة المتعلقة بقضايا الهجرة، إذ يؤكد الكتاب أن الهجرة ليست آخذة في الارتفاع، بل في الواقع لم تتجاوز 3% من سكان العالم، وهو المستوى الذي كانت عليه في عام 1960. وتثبت التجارب أنّ المهاجرين لا يسرقون وظائف السكان الأصليين؛ بل إنّهم يساعدون فقط في كشف الثغرات في الخدمات العامة والإسكان الاجتماعي التي خلفها التقشف. أمّا بالنسبة لتحرير التجارة، التي يعاملها الاقتصاديون باعتبارها ذات أهمية قصوى، فيقترح الباحثان أن التجارة الحرة تجلب فوائد صغيرة نسبيًا مع إلحاق الكثير من الضرر بالفقراء في دول مثل الولايات المتحدة والهند، الامر الذي يترتب عليه عنف واستفزاز للنزعات العنصرية.

وفي فصول الكتاب حول النمو وعدم المساواة وتغير المناخ، يقترب القارئ من مواجهة سياسات المؤلفيْن. في حين أنه بالنسبة لأصحاب الفكر التقدمي من أمثال بيرني ساندرز وإليزابيث وارن وألكسندريا أوكاسيو كورتيز، فإن موقفهم الخاص هو الأكثر شيوعًا، باعتبار أنهم يدعمون مخططات لمساعدة ضحايا العولمة (من خلال دفع الشركات في المناطق المتدهورة للحفاظ على عمل كبار السن، على سبيل المثال). كما يريدون من حكومات البلدان النامية أن تساعد الناس على الانتقال إلى مناطق ذات وظائف أفضل، علاوة على مساعدة أولئك الذين يريدون البقاء لرعاية كبار السن أو في قراهم. ويرى الباحثان أنّ التقدميين يفضلون الصورة الأصغر، حيث يمكنهم التأكد من أن الاستثمار العام سيحدث فرقًا، ولكن ماذا عن المرحلة الأكبر التي تتكشف فيها الدراما الإنسانية؟

يفند الكاتبان مخطط ضمان العمل الذي طرحه ساندرز (وهو مرشح سابق في انتخابات الرئاسة الأمريكية) لكنهم يرفضونه، لأنهم لا يعتقدون أن الوظائف المهمة يمكن أن تنتجها الدولة بمثل هذه الأعداد الكبيرة. ويشير المؤلفان إلى أن ضريبة ثروة وارن، على الرغم من أنها جيدة ومناسبة، لا يمكنها رفع أكثر من 1% من الدخل القومي للولايات المتحدة، في حين أن معدل الضريبة الهامشية لتصل إلى 70% على الاثرياء، كما تقترح النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، من شأنه أن يُحفز الشركات على عدم توزيع الأرباح، ولكن وضعها في الصناديق الائتمانية.

وفي موضع آخر، يخلص الكاتبان إلى نتيجة مفادها أنّ أي معالجة جادة لتغير المناخ تتطلب الإنفاق في حدود 5% على الأقل من إجمالي الدخل. ويتساءلان: من أين ستأتي الأموال اللازمة للصفقة الخضراء الجديدة الدولية وإعادة توزيع الثروة (العالمية والمحلية) التي تحتاجها البشرية بشدة؟

وفي فصل التوصيات بالكتاب، يرى المؤلفان أن إدارة الاقتصاد الجيد في الأوقات العصيبة يُكتب لها النجاح من خلال أسلوب الإدارة، وليس الرسالة. ورغم ذلك لا يبدو أن أفضل التوصيات التي يقدمها المؤلفان في نهاية كل فصل تتوافق مع المعتقدات الأساسية للسياسيين، ولا يبدو أن ذلك يثير قلق المؤلفين، فهدفهم يتمثل في ترسيخ عنصر المناقشة الوطنية للقضايا من خلال أدلة قوية، عبر عملية تواصل مثيرة للاهتمام في حد ذاتها.

وعلى الرغم من أنّ الكتاب يبدو موسوعيًا في بعض الأحيان، مع مجموعة من الأمثلة من أماكن وعصور مختلفة، لكن لا يمكن وضعه في قسم الكتب الفلسفية. ويعترف المؤلفان في ختام الكتاب بحقيقة توصلا إليها، فيقولا: "من الواضح أنّه ليس لدينا جميع الحلول، ولا نشك في أنّها متوافرة لدى أي شخص آخر". ومع ذلك، فإنّ احتمال وجود مسار نحو حلول توافقية من خلال التجارب المكررة يكفي لجعل الكتاب جدير بالقراءة والاقتناء.

تعليق عبر الفيس بوك