"فورين بوليسي" تحذر من "سيناريو الثلاثينيات" ونشوب حرب عالمية

"الانفصال العظيم".. أمريكا تستنزف قواها في محاولة إضعاف التنين الصيني

ترجمة- رنا عبدالحكيم

يستنزف صانعو السياسة في الولايات المتحدة قواهم في المواجهة الاقتصادية والجيوسياسية مع العملاق الآسيوي؛ التنين الصيني، ويحذر تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية من تكرار سيناريو ثلاثينيات القرن الماضي، عندما تسبب الفصل الاقتصادي الناجم عن الغضب السياسي في نشوب حربين عالميتين.

ويقول التقرير إنه بالنسبة للأعضاء الأكثر تشددًا في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كان التراجع عن 40 عامًا من العلاقات الاقتصادية المتقاربة مع الصين وتراجع اعتماد الولايات المتحدة على المصانع والشركات والاستثمارات الصينية، هو آخر أوراق اللعبة في الحرب التجارية التي لا نهاية لها. وحتى قبل تفشي وباء الفيروس التاجي شحذت واشنطن رغبتها في الانفصال عما يعتبره الكثيرون "عناقًا اقتصاديًا خطيرًا". والآن، يدرس المشرعون ومسؤولو الإدارة مجموعة من الإجراءات لضرب أجزاء من أكبر اقتصادين في العالم من خلال حظر مجموعة واسعة من الصادرات الحساسة، وفرض رسوم إضافية على السلع الصينية، وإعادة إجبار الشركات الأمريكية على سحب استثماراتها في الصين، وحتى الانسحاب من منظمة التجارة العالمية برمتها، والتي ينظر إليها البعض على أنها تسهل "الإمبريالية الاقتصادية الصينية".

وليست العلاقات الاقتصادية فقط بين الصين والولايات المتحدة تواجه الخطر؛ إذ تتحدث أوروبا أيضًا بشكل متزايد عن تراجع العلاقات التجارية والاستثمارية العميقة التي طورتها مع بكين خلال العقود الأخيرة.

والتهديد بفك الارتباط الكبير بمثابة انهيار تاريخي محتمل، وربما انقطاع لا يقارن إلا بالتقطيع المفاجئ للموجة الضخمة الأولى للعولمة في عام 1914، عندما ألقت اقتصادات متشابكة بشدة مثل بريطانيا وألمانيا، ولاحقًا الولايات المتحدة، نفسها في وابل من التدمير الذاتي والقومية الاقتصادية التي لم تتوقف لمدة 30 عامًا. هذه المرة، وعلى الرغم من ذلك، لا يتم دفع الانفصال عن طريق الحرب، ولكن بدوافع شعبوية في وقت السلم، والتي تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا العالمي الذي هز عقودًا من الإيمان بحكمة سلاسل التوريد الدولية وفضائل الاقتصاد العالمي.

لكن السؤال الحقيقي الوحيد هو: إلى أي مدى سيصل هذا الانفصال؟

ووجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أحد أشد تهديداته حتى الآن وسط توترات متزايدة مع الصين في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، عندما قال: "يمكن أن نقطع العلاقات بأكملها"، وهو احتمال، على الرغم من أنه غير وارد إن لم يكن مستحيلًا عمليًا، فإنه سيبعث موجات من الصدمات تاريخية في الاقتصاد العالمي.

مما لا شك فيه أن معظم الخبراء والمسؤولين يوافقون على أن تهدئة التوترات التجارية بين واشنطن وبكين- التي تضخمها جائحة الفيروس التاجي- ستجبر بعض الشركات متعددة الجنسيات على تغيير نماذج أعمالها، وإعادة توجيه سلاسل التوريد الخاصة بها بالقرب من شواطئ الولايات المتحدة. ورغم الانقسام السياسي داخل أمريكا، يرى الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تغير علاقتها التجارية مع الصين بدرجات متفاوتة. لكن إذا مرّت تداعيات الوباء بسرعة، وخاصة إذا هُزم ترامب في انتخابات نوفمبر، فإن ضجيج الانفصال عن الصين قد يبدأ في الانحسار؛ حيث يواجه السياسيون خطورة تعقد الانفكاك بين أكبر اقتصادين في العالم. فأقل المشاكل التي يجب على واشنطن مواجهتها هي أن الصين ثاني أكبر دائن للولايات المتحدة، حيث تمتلك أكثر من تريليون دولار من أذون الخزانة الأمريكية.

وفي كلتا الحالتين، سيكون لإعادة تشكيل أفق الاقتصاد العالمي آثارا لا حصر لها، من تمزيق نماذج الأعمال إلى إعادة تشكيل صناعات بأكملها. ولكن يمكن أن يكون لها أيضًا عواقب جيوسياسية غير متوقعة، خاصة فيما يتعلق بالصين، التي نمت تحت رعاية نظام اقتصادي عالمي مترابط، بقيادة تعميق العلاقات التجارية والاستثمارية مع الغرب.

ماذا يحدث إذا تمزقت العلاقات؟

يقول كيفين رود رئيس الوزراء الأسترالي السابق والباحث في الشأن الصيني لـ"فورين بوليسي" إنه قلق بشأن، إن لم يكن إعادة مباشرة للحرب الباردة الأولى، التي تضمنت ترسانات نووية أكبر وحروب بالوكالة في جميع أنحاء العالم. وأضاف "إنها في ذلك النوع من نقطة الانعطاف".

الآن وبعد أن استخدمت إدارة ترامب جائحة الفيروسات التاجية لدفع أجندة الفصل الاقتصادي بقوة أكبر، فإن السؤال الكبير هو ما الذي سيحدث للعلاقات الأمريكية الصينية؟

تخلصت الولايات المتحدة بالفعل من فكرة العلاقة الاستراتيجية مع الصين، وتعامل بكين صراحة باعتبارها منافستها الجيوسياسية الرئيسية. واستفادت الصين من الوباء لتكثيف الضغط على تايوان، التي تعتبرها أراض متمردة. كما إن الروابط الاقتصادية بين البلدين مثل 650 مليار دولار من التبادل التجاري، وعشرات المليارات من الاستثمارات، وتريليون دولار من ديون الحكومة الأمريكية بحوزة الصين، من شأنها أن تفاقم حدة المواجهة.

وعلى الصين أن تصبح "صاحبة مصلحة مسؤولة" في النظام العالمي، كما حث زوليك نائب وزير الخارجية السابق في خطاب ألقاه عام 2005، وحذر من أنه في ظل مجموعة من التحديات العالمية ، فإن التخلي عن النفوذ والمشاركة مع أكبر عدد من السكان في العالم وثاني أكبر اقتصاد وعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمكن أن يقوض المصالح الأمريكية في جميع المجالات.

في النهاية، ستكون جهود الولايات المتحدة لدحر جزء واحد من العولمة التي يمكن أن تسيطر عليها إلى حد ما- مثل سلاسل التوريد العالمية والتجارة- في أفضل الأحوال حلًا جزئيًا وغير كامل لن يؤدي سوى لتفاقم التحديات الأخرى. وقال زوليك إن اختيار الفصل الاقتصادي كإجابة لمشاكل اليوم هو ببساطة يسبب الصداع في المستقبل.

تعليق عبر الفيس بوك