أزمة العمالة الوافدة.. تكملة للحلول المقترحة

عبدالنبي الشعلة **

** وزير العمل والشؤون الاجتماعية الأسبق بالبحرين

طرحنا أمس اقتراحًا بتشكيل فريق عمل خليجي عالي المستوى يتكون من كبار المسؤولين المعنيين والمتخصصين وفعاليات القطاع الخاص؛ لتقديم الحلول التي ستمكن دول مجلس التعاون الخليجي من التصدي لأزمة العمالة الوافدة، على أن يُعطى هذا الفريق الصلاحيات اللازمة ليعمل تحت إشراف المملكة العربية السعودية الشقيقة، وأن يباشر مهامه في أسرع وقت ممكن ضمن جدول زمني محكم وفي خطة عمل أو خارطة طريق واضحة المعالم تتضمن السياسات والإجراءات الواجب تبنيها والخطوات اللازم اتخاذها لمعالجة هذه المعضلة والتصدي لها من مختلف الجوانب والمحاور.

وقد تطرقنا باختصار شديد أمس إلى 3 من المرتكزات أو المحاور التي نعتقد أن على فريق العمل المقترح استعراضها واتخاذ القرارات اللازمة حيالها، منها تكثيف الجهود والمبادرات والبرامج الهادفة إلى تسهيل عملية الإحلال وإدماج العمالة الوطنية في سوق العمل، والعمل على رفع تكلفة العمالة الوافدة حتى يتم توفير جو من المنافسة العادلة والمتكافئة بالنسبة للعمالة الوطنية.

وكان المحور الثاني يدعو إلى الوقف والمنع التام والصارم والفوري عن جلب المزيد من العمالة الوافدة أو إصدار رخص عمل جديدة خصوصًا للشرائح الدنيا من الأيدي العاملة.

وكان المحور الثالث يدعو إلى إعادة النظر في بعض الممارسات والمفاهيم التي استقرت وترسخت في أذهاننا، منها تقييمنا لفاعلية عمالتنا الوطنية، واقتناع البعض منا بالقيمة الاقتصادية للعمالة الوافدة الرخيصة.

ونستطرد اليوم في التطرق إلى المحاور الأخرى كالتالي:

المحور الرابع: يتطلب مراجعة توجهاتنا الإنشائية والعمرانية المكلفة، وتحديد ما إذا بقيت لدينا الطاقة أو القدرة أو الرغبة أو الحاجة إلى تشييد المزيد من أعلى الأبراج وأعرض الطرقات وأكبر وأضخم مراكز التسوق وغيرها من الأفكار والمشاريع التي يكلف إنشاؤها وإدارتها وصيانتها الكثير من الأموال والأيدي العاملة، فقد جاءت الآن مرحلة التريث والترشيد والفرملة والمحافظة على المنجزات والمكتسبات.

وفي الحقيقة فقد سبق لبعض الخليجيين، ومنذ بداية مراحل الطفرات النفطية أن تحفظوا على الحماس والاندفاع الذي شهدته منطقتنا خلال العقود الأربعة الماضية لتنفيذ مشاريع أضخم وأكثر وأكبر من طاقتنا ومن حاجتنا، وتساءلوا عن الحكمة أو السبب في عدم قيامنا بتحديد حجم المشاريع اللازمة لنا والتي تفي باحتياجاتنا، ونحن دول ومجتمعات صغيرة لا تحتاج إلى كل تلك الهرولة واللهث الذي وضعنا أنفسنا بسببه في هذا المأزق.

وقد حاولنا الإجابة على مثل هذه التساؤلات في أحد لقاءاتنا السابقة، وللمزيد دعونا نعود إلى سنة 1997 عندما قمت بزيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة بصفتي رئيسًا لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية لدول مجلس التعاون الخليجي في دورته الثالثة عشرة، وذلك بدعوة من وزير العمل والشؤون الاجتماعية الإماراتي آنذاك معالي الأخ العزيز سيف بن علي الجروان، وقد رافقني في تلك الزيارة أخي وزميلي السيد صباح سالم الدوسري وكيل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والذي كان وقتها مديرًا لمكتب الوزير بالإضافة إلى عدد من المهام والمسؤوليات التي كان يضطلع بها، وكان من ضمن برنامج الزيارة التشرف بلقاء المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، في مقر الرئاسة في أبوظبي، ومن بين ما قاله سموه في اللقاء حول هذا الموضوع إن من الكياسة والحصافة والحكمة أن ننفق بسخاء في هذه المرحلة ما نحصل عليه من مداخيل نفطية وفوائض مالية لإسعاد ورفاهية شعوبنا في أسرع وقت ممكن، بدلًا من أن نبقي على هذه الأموال والفوائض مكدسة في خزائننا وحساباتنا المصرفية؛ لأن الدول الطامعة لن تسمح لنا بذلك، وقد تخلق لنا مشاكل وحروب ومواجهات مع جيراننا تضطرنا إلى انفاق كل ما نملك في شراء المزيد من الأسلحة والذخائر منهم، وكان رحمه الله، كما عُرف عنه مصيبًا ومحقًا فيما قاله، فلم يكن في ذلك الوقت ثمة خيار أرجح وأفضل.

أما المحور الخامس الذي على فريق العمل المقترح النظر إليه بأقصى الجدية فهو السعي لإدخال المزيد من الوسائل التكنولوجية الحديثة في عمليات الانتاج وتوفير الخدمات حتى تقل وتتقلص الحاجة إلى الأيدي العاملة المستوردة.

سادس المحاور هو في رأينا من أهمها؛ وهو ضمان القيام بتصحيح الأوضاع المعيشية والانسانية للأيدي العاملة الوافدة، وخصوصًا الشرائح الدنيا منها، والحرص على تطبيق القوانين الخليجية والمعايير الدولية المتعلقة بتوفير المقومات الأساسية للحياة لهم، وتكفينا الإشارة إلى الحالة المزرية لمرافق السكن التي يوفرها بعض أصحاب الأعمال والمقاولين لإيواء عمالهم من الوافدين ومستواها المتدني الذي يفتقر إلى أبسط المتطلبات الصحية، ما يجعلها  في بعض الحالات أقرب إلى الحظائر والإسطبلات، والتي تحولت الآن إلى بؤر ومفارخ لتفشي جائحة كورونا وانتشارها في مجتمعاتنا.

المحور السابع يقتضي معالجة موضوع التسرب المالي النقدي المشروع من أسواق واقتصادات دول مجلس التعاون على شكل تحويلات شهرية منتظمة لمداخيل ومدخرات العمالة الوافدة إلى خزائن الدول المصدرة لها، والبالغة في مجموعها 122 مليار دولار سنويًا، حسب التقارير الدولية المعتبرة، والسعي إلى استقطاب وتوطين وإدارة هذه المليارات؛ عن طريق تشجيع وإقناع أصحابها بتوظيفها واستثمارها في الاقتصاد الخليجي باستحداث وتأسيس قنوات وصناديق ومحافظ وسندات وبرامج استثمارية مخصصة لهذا الغرض، وتكون جاذبة ومجزية ومحمية بقدر الإمكان، وكفيلة بنيل ثقة المستثمرين واطمئنانهم واستمراريتهم حتى بعد عودتهم إلى أوطانهم، مع عدم الالتفات إطلاقًا إلى أي اقتراح بهذا الشأن يدعو إلى التدخل أو إلى تقنين ووضع القيود والمعوقات الإجرائية التي من شأنها أن تعوق عملية تحويل هذه الأموال من قبل أصحابها؛ لأن ذلك سيكون بمثابة التفريط والمساس بنهجنا الاقتصادي الحر الذي يتيح ويصون حرية الانسياب المشروع لرؤوس الأموال.

المحور الثامن هو تبني ووضع خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة الأمد، تنفذ تدريجيا وعلى مراحل زمنية؛ لضمان عودة الفائض عن حاجتنا من هذه العمالة إلى أوطانها، آخذين في الحسبان الجوانب والعوامل الإنسانية والأخلاقية والاعتبارات العملية والقانونية. وقد نصل ونضطر في مرحلة من المراحل إلى التشجيع والتحفيز ودفع التعويض المادي لمن يوافق منهم على العودة إلى وطنه، وعلينا أن لا نستبعد إمكانية توطين عدد كبير منهم طوعًا أو قسرًا، ومن الأفضل أن نختار الخيار الطوعي، بحيث نتمكن من التقاط وإدماج أفضل القدرات والخبرات منهم ضمن كوادرنا الوطنية.

نرجو من الله العلي القدير أن يوفقنا جميعًا لما فيه الخير والصلاح لأوطاننا العزيزة الغالية.