الأصعب: هو ما بعد كورونا

 

 

خلفان الطوقي

 

أجمع الجميع على أنَّ فيروس كورونا هو أكبر تحدٍ واجه البشرية، وملايين البشر خلال الـ 100 يوم السابقة كتبوا أو تحدثوا أو فكروا في هذا الفيروس بشكل آو بآخر، فهناك من تحدث عنه، وهناك من حلل آثار هذا الفيروس الآنية منها، وآثاره على المدى المتوسط والطويل، وكل شخص من ملايين البشر نظر إلى الموضوع من خلال الزاوية التي تهمه كمحيطه الشخصي، وأثره على العائلة الصغيرة، ومستقبله الوظيفي ودخله اليومي، أما تفكير صاحب المؤسسة التجارية فيمتد إلى محيط أوسع قليلاً، يمتد إلى كيفية استمرارية تجارته ودفع مستحقات موظفيه، وإعادة هيكلة عملياته التجارية بما يتناسب مع معطيات جديدة، ودفع الالتزامات المادية للجهات القارضة في ظل الاختناقات التي لم تكن في الحسبان.

 

علينا أن نتفق أنَّ التزامات الفرد تخص محيطه الصغير، وصاحب المؤسسة التجارية الصغيرة تتسع مسؤولياته، وتكبر هذه المسؤوليات حسب حجم المؤسسة واتساع عملياتها التجارية، وعدد موظفيها، وفي أي نشاط تعمل، ومدى تنوع استثماراتها، وحجم التزاماتها المالية، هذا فيما يخص الفرد والمؤسسة التجارية، ماذا عن الدولة؟ وهي الراعية للفرد والمؤسسات التجارية وباقي مكونات الحياة الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية، ستكون مسؤولياتها وتحدياتها -بكل تأكيد- أعلى وأعقد بكثير من الفرد ومن صاحب المؤسسة التجارية بغض النظر عن حجمها.

التحديات المالية في السلطنة بدأت منذ عام ٢٠١٥م وظهرت جلياً مع انخفاض سعر برميل النفط لما دون ٣٠ دولارا أمريكا، واتسعت رقعة التحديات بزيادة الدين العام المضطردة في الأربعة أعوام الأخيرة لتقترب من حوالي ٦٠% من حجم الناتج القومي الإجمالي، ومن غير أي موعد مسبق تفاجأ العالم بجائحة فيروس كورونا بداية هذا العام والتي شلت حركة العالم، وأعادت سعر برميل النفط إلى ما دون ٢٥ دولارا أمريكا، وعمان حالها كحال غيرها من الدول تأثرت بذلك، وربما الأثر أعمق من غيرها لعدة أسباب أهمها: أنها وصلت لنسب خطيرة للدين العام، وتجاوز هذه النسب أكثر من ذلك سوف يُقلل من تصنفيها الائتماني، ويزيد من صعوبات الاقتراض إن أرادت ذلك.

ما سيخلفه كورونا سوف يزيد التحديات على الحكومة، وأهم التحديات الإضافية احتمالية إعلان إفلاس عدد من الشركات، وزيادة عدد المسرحين العُمانيين عن الوظائف من داخل السلطنة وخارجها، وقلة المعروض من الوظائف مُقارنة بالباحثين عن عمل، الذي سيؤدي تلقائياً إلى انخفاض القوة الشرائية، بالإضافة إلى الإشكاليات العمالية فيما بين رب العمل والموظف خاصة العمانيين منهم الذين وصل عددهم إلى ٢٧٦ ألف موظف وموظفة في القطاع الخاص حسب المعلومات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لشهر مارس ٢٠٢٠م.

من الواضح أنَّ التحديات القادمة على الحكومة لن تكون سهلة، ولن تكون مالية فقط، بل أعقد وأعمق من ذلك، فما الحل إذا؟ هل الحل يكمن في الاستسلام لقدرنا، وعلينا أن نُردد: إن ما أصاب العالم قد أصابنا، ونحن جزء من هذا العالم، أو أن نفكر بشكل عملي، ونخطط مبكرًا، ونقوم بتنفيذ عدد من الخطوات الجريئة والاستباقية، ونطلب من كل الجهات الحكومية تقديم خطة عمل عاجلة تتضمن المشاركة في الحلول الواقعية حسب المعطيات الحالية، على أن تشمل تقليل الإنفاق فيما لا طائل منه وتعظيم العوائد المالية لخزينة الدولة في رفع إنتاجية كل فرد، وتحمل مسؤولياتها حيال أسوأ السيناريوهات الواقعة حالياً، والتي قد تقع في القريب العاجل، فالتحديات ليست سهلة كما يحاول البعض أن يصورها للناس.

الحلول الخلاقة والخطوات الاستباقية هي لتقليل الآثار بقدر الإمكان، على أن تكون هذه الحلول عملية لتتناسب مع الظروف والمعطيات الحالية، فحلول أيام الرخاء عندما كان سعر النفط متجاوزا 100 دولار أمريكي وبدون وجود دين عام  لايُمكن بالعقل والمنطق أن تتناسب مع الوضع الراهن المحمل بالأعباء والتحديات من كل صوب وحدب، الحلول لأسوأ السيناريوهات لابد أن تكون حاضرة التي تتطلب الجرأة من متخذي القرار، والمكاشفة بين الحكومة والمواطن، والتهيئة المجتمعية المبكرة، والتضحية من الجميع، فعُمان هي سفينتنا، وعلى الجميع أن يفكر بأفضل طرق للإبحار الآمن، وعلى كل منا أيضًا أن يُضحي بجزء من حمولته، لنصل جميعاً إلى بر الأمان.