القطاع المصرفي العُماني.. الدور المرتقب

د. يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

www.omaninvestgateway.com

لنتفق أن العديد من المعضلات الاقتصادية يُمكن علاجها من خلال السياسات العامة المناسبة؛ فبالنسبة للسياسة النقدية فإنها تعتمد على التدابير التي تمكّن البنك المركزي العُماني من ضبط التوسع النقدي (السيولة المحلية) ليتوافق مع حاجة المتعاملين في الاقتصاد؛ بحيث تتم زيادة التركيز على آليتين؛ الأولى: توجيه الائتمان إلى القطاعات الإنتاجية لتحفيزها لزيادة إنتاجها من السلع والخدمات المختلفة لتلبية الطلب المحلي المتزايد، مع مراعاة أن تكون التكلفة مناسبة (أسعار فائدة معتدلة). أما الآلية الثانية، فتركز على: الحد من منح القروض الشخصية بقدر الإمكان، والتي تعتبر مصدرًا مهمًّا لزيادة الواردات المحملة بالتضخم. أما على صعيد السياسة المالية، فإنَّ الإنفاق بشقيه العام والخاص يعتبر أداة مهمة لتوجيه العملية التنموية. ويتعين على الحكومة أن تحدَّ من الإنفاق العام الاستهلاكي؛ فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتعدى معدل زيادة الإنفاق معدل زيادة الإنتاجية (معدل النمو الإقتصادي)، خاصة إذا كان هذا الإنفاق استهلاكيًّا. وعند الأخذ في الاعتبار صعوبة الحد من الإنفاق العام، خاصة المتعلق بمشاريع البنية الأساسية، فلابد من توجيه البنوك التجارية للحد من منح القروض الاستهلاكية؛ من خلال الودائع الحكومية المودعة لديها، وضرورة أن تقوم البنوك بتوجيهها إلى دعم العملية الإنتاجية وليس الاستهلاكية.

ويتعيَّن الاهتمام بالأهداف النهائية التي تخدم التنمية الاقتصادية في الأجل الطويل، وضرورة الوصول إلى إستراتيجية تعمل من خلالها المؤسسات المالية كشريك ومحفز للتنمية؛ من خلال تعزيز ثقافة الادخار الذي يعتبر أهم الموارد المالية للبنوك التي ينبغي الاستفادة منها لدعم القطاعات الإنتاجية، وانعكاسات ذلك على ارتفاع مستوى الثقة بالاقتصاد محليًّا وخارجيًّا، والتي تعتبر ضرورية لتشجيع الاستثمار سواء للقطاع الخاص المحلي أو المستثمرين الأجانب. ولا يعني هذا أن تقوم المؤسسات المالية بتقديم الائتمان للمشروعات بدون دراسة، إنما يتعيَّن على البنوك التأكد من جدوى تلك المشروعات، وأن تعمل كمستشار محترف لتلك المشروعات لضمان نجاحها؛ الأمر الذي يتطلب من البنوك الإلمام بجميع العناصر الأساسية اللازمة لنجاح أي مشروع بدءًا من تحديد نوع المشروع والتكنولوجيا اللازمة ودراسة الجدوى وترتيبات التمويل. ومن ثم، البناء والتشييد، يليها التشغيل والإدارة، ومن ثم التسويق.

الجدير بالذكر أنَّ القطاع المالي بشكل عام، والبنوك بشكل خاص، يُمكن أن تلعب دوراً أكثر حيوية في المرحلة المقبلة لعلاج العديد من المعضلات الاقتصادية، وقيادة التحول الاقتصادي المفروض علينا جراء جائحة كورونا وتدهور أسعار النفط، والتي من بينها: تمويل التنمية من خلال تطبيق أسعار فائدة متغيرة حسب استخدام القرض؛ بحيث يتم فرض أسعار فائدة مرتفعة على القروض الاستهلاكية للحد من الطلب عليها؛ وبالتالي المساهمة في ترشيد الاستهلاك، وفرض أسعار فائدة منخفضة على القروض الإنتاجية لزيادة الإستثمار. وكذلك على البنوك زيادة منح القروض الاستثمارية الطويلة الأجل؛ بحيث توفق ما بين سياساتها الخاصة والأهداف الاقتصادية العامة.  لقد تزايد الوعي بأهمية تمويل المشاريع الضخمة. ومع ذلك، ما زالت البنوك التجارية في السلطنة غير راغبة أو قادرة على المساهمة بنجاح في تغطية جزء كبير من الاحتياجات المالية للمشاريع الرئيسية والحيوية (الكهرباء، المياه، النقل، الاتصالات والمواصلات والتعدين)؛ من خلال توفير التمويل بتكلفة وشروط مناسبة. وفي هذا السياق لابد أن نذكر أهمية جذب الاستثمار الأجنبي المباشر المحمَّل بالعناصر المفقودة في خلطة التنمية المحلية كالمعرفة والأسواق والمهارات ورأس المال؛ وذلك من خلال اجتذاب بنوك عالمية من الأسواق المستهدفة من أجل زيادة الثقة، وجذب عملائها للاستثمار في السلطنة. ومن جهة أخرى، تشجيع البنوك المحلية لتعزيز قدراتها التنافسية، والقيام ببعض الاندماجات فيما بينها لتكوين كيانات مالية قادرة على المنافسة والانطلاق للعالمية. ولمواكبة المتغيرات العالمية، من الضروري تطوير قطاع الخدمات بشكل عام والخدمات المالية بشكل خاص. ولقد أشارت دراسة حديثة صادرة عن البنك الدولي إلى أنَّ القيمة المضافة لقطاع الخدمات المالية تشكّل اليوم أكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي في معظم البلدان المتقدمة، وبعض دول السوق الناشئة. كما تمثل العمود الفقري لكل الأنشطة الاقتصادية الأخرى. وتشتمل "الخدمات المالية" على العديد من المعاملات التجارية الأساسية في حياة الإنسان المعاصر؛ مثل: النشاط المصرفي، التأمين بأنواعه، التجارة في الأسهم والأوراق المالية... وغيرها. وكذلك إيجاد منصة للتمويل الجماعي وتفعيل مركز للمعلومات الائتمانية. كما يمكن للبنوك أن تلعب دوراً أكثر إيجابية في مجال توفير الأموال اللازمة لأغراض التعليم والتدريب؛ من خلال منح قروض بتكلفة معتدلة.

وختاما.. نحن في خِضَم أزمة عالمية ومعركة حامية الوطيس، والتغيير المنشود في إدارة القطاع المالي من المهم أن يتزامَن مع تغيرات في باقي القطاعات وعناصر الإنتاج، والأهم من ذلك بذل جهود أكبر في التوعية والتواصل مع أفراد المجتمع ومؤسسات الأعمال في القطاع الخاص، ومع موظفي الحكومة؛ لإعداد العدة وتغيير بعض أنماط الاستهلاك، وتغيير السـلوك الاجتماعـي والأدوار المطلوبة من الجميع في المستقبل؛ بما يضمن تحقيق مستقبل أفضل للجميع؛ بما فيها تغيير بوصلة تركيز الحكومة ومؤسسات الأعمال والمجتمع من الحلول المالية إلى الحلول الإنتاجية، وتشجيع ريادة الأعمال والادخار والاستثمار والإنتاج والتصدير.