اللومية

سالم نجيم البادي

لعلَّ من الدروس المستفادة من أزمة كورونا حاجتنا للاكتفاء الذاتي في بعض السلع والخضراوات والفواكه، وحتى لو حدث ذلك تدريجيًّا.

دخلتُ قبل "كورونا" إلى محل للخضراوات والفواكه، أبحث عن ليمون، وجدت ليمونًا من فيتنام والهند، إنها العولمة والمصالح المتبادلة بين الدول والتجارة الحرة، لكن ما المانع أن يكون لدينا اكتفاء ذاتي من الليمون مثلا، وقد كُنَّا سادة تصدير الليمون خاصة اليابس منه، حتى غَزَتنا تلك العجوز المشؤومة، وبحوزتها مكنستها التي قضتْ على معظم اشجار الليمون في السنوات الماضية، والآن وقد رحلت العجوز وعادت العافية إلى شجرة الليمون، فلا عُذر ولا حجة لنا في هجران هذه الشجرة الصابرة على الظروف القاسية، رفيقة الأسرة العمانية منذ القدم، وكأنها فرد عزيز بين أفراد الأسرة اللومية، تنشر الاخضرار ورائحة أزهارها الزكية بمنظرها الأخَّاذ الأبيض، وكأنه نتف الثلج، واللومية حاضرة في البيوت والمزارع والبلدات العمانية المتناثرة بين الجبال وفي الأودية والسهول، وهي حاضرة في الأهازيج والحكايا والقص الشعبي (سيل سيلية حمامة فوق لومية)، تصدح بها حناجر النساء القرويات بلهجة عمانية محببة، واللومية للمقيل والجلوس تحت ظلها، وعلى أغصانها يعلق السعن والقربة والجحلة لتبريد الماء في أيام القيظ.

اللومي، والرطب، والهمبا، والفرصاد، والعنب، وأشجار الحنا، والياس، والتين، والبيذام، والنارنج، والياسمين، ولمة العائلة وهم يحصدون اللومي في نهاية الموسم في مهرجان احتفالي وفرح، وبعد الحصاد يباع ما زاد على الحاجة طازجاً، ويتم تجفيف بعض اللومي للاستهلاك حتى الموسم المقبل، على أن اللومية كريمة وتجود بثمارها على مدار العام تقريبا، وشجرة الليمون تعود للحياة من جديد.. حين أصاب الجفاف مزرعتنا حزنت كثيرا على موت سبع شجيرات ليمون، ظننت أنها ماتت، لكن المفاجأة أنها عادت للحياة بعودة المطر، وبدأت تنمو من جديد، هل أهملنا شجرة اللومي العزيزة؟ وهل أوكلنا رعايتها للعامل الوافد الذي قد لا يقدِّر هذه الشجرة، ولا يُدرك الحب المتبادل بين الإنسان العماني وبينها، خاصة زمن الأجداد والآباء؟ وهل من المعقول أن نستورد اللومي من فيتنام والهند ودول أخرى، ونبحث عن اللومي العماني في الأسواق فلا نجده؟ فمن العقوق أن نهجرها وهي شجرة يمكن أن نعدها من أنواع تراثنا العماني، وعندنا مَثَل يقول: "اللومي سمن الفقير"، ويصفون الشخص الحاذق الشاطر الذي يُتقن كل شيء، ويهب لمساعدة الجميع بأنه "لومية في كل حلى"، والحلى المقصود به الإدام أي أنَّ الليمون يمكن إضافته على كثير من أنواع الطعام اللومي، يُضاف مثلا إلى سحناة القاشع والعوال والخبز واللبن... وغير ذلك من أكلات شعبية. نستطيع أن نعيد لشجرة اللومي مكانتها ومجدها الغابر بزراعتها بكثرة، واهتمام الجهات ذات الاختصاص والأفراد، وعدم ترك العناية بها للغرباء.

في بيتنا خمس شجرات لومي، تملأ المكان جمالاً وروعة، وتجود بثمارها التي نأمل أن تغنينا عن لومي فيتنام.