طالب المقبالي
تسير الحياة بمشيئة الله وقدره، وعلينا التسليم بهذا القضاء وبهذا القدر، فمشيئة الله تعالى تأتي لمصلحة البشرية وإن كنا نراها سوءًا أو ألمًا أو ضررًا، ففي ذلك أمر خفي لا يعلمه سوى الله سبحانه وتعالى، وهو خالق هذا الكون والمتصرف في شؤونه بما يراه من مصلحة لنا وللكون من حولنا، فالكون يسير وفق توازن بما فيه من مكونات ومخلوقات.
فالغابات لا تستقيم الحياة فيها ولا تسير إلا بالمتضادات لخلق عملية التوازن البيئي فيها. وأذكر أنني قرأت ذات مرة أنّه في مكان ما صدر أمر بقتل الذئاب التي تفتك بالمواشي في إحدى الغابات بتلك المنطقة، فتكاثرت الحيوانات العاشبة وقضت على الأخضر واليابس فكادت الغابة أن تتصحر، مما اضطر السلطات في تلك البلاد إلى إعادة توطين الذئاب مرة أخرى في تلك الغابة كي يحدث التوازن البيئي.
وهناك زواحف وحشرات نكرهها ونشمئز منها، لكنها في واقع الأمر تشكل توازناً بيئياً، ولذلك نرى حماة البيئة يحافظون على هذه الزواحف والحشرات ويحرصون على تواجدها في الغابات والصحاري.
ونحن في هذه الأيام نعيش ونتعايش مع وباء كورونا "كوفيد-19"، وعلينا أن نأخذ منه العبر وننظر إليه على أنه رسالة من السماء للبشرية تحمل كثيراً من الدروس والعبر، وتحمل معها الخير بإذن الله، "وعسى أَن تَكرهوا شَيئاً وَهُوَ خَير لَّكُم"
نعم تأثيرات هذا الوباء كبيرة ومؤثرة على الاقتصاد وعلى الحياة اليومية، فالوباء حرمنا من التواصل الاجتماعي والجسدي، كما حرمنا من السفر ومن زيارة الأرحام، ومن الصلاة في المساجد، ومن السفر لأداء شعيرة العمرة، والكثير الكثير من الأمور الحياتية التي كنا نزاولها بكل حرية.
ولعلّ هذا الوضع لم يمر علينا ولم نشهده ولم يكن مألوفاً لدينا ولكن للضرورة أحكام.
وبعيداً عن الأضرار والسلبيات، فهناك ظهرت إيجابيات لم نكن نحسب لها حساب.
فعلى الصعيد الاقتصادي، حركت هذه الأزمة التجار والمستوردين إلى الاستيراد المباشر من الدول المصدرة إلى موانئ السلطنة التي اكتشف المغمضون أعينهم عنها أنّها أفضل عن الاستيراد بواسطة الترانزيت من الموانئ للدول المجاورة بالرغم من مرور تلك البواخر في مياهنا الإقليمية، فأصبح الآن الاستيراد أسهل وأقل كلفة.
كما حركت الأزمة المزارعين، فأصبحت مزارع نجد، ومزارع محافظات الداخلية والظاهرة والشرقية وجنوب الباطنة تنتج المزروعات الهامة كالقمح والخضروات والفواكه والتمور، والنتائج تبشر بالخير، كما تبشر بوجود اكتفاء ذاتي في كثير من المنتوجات.
وعلى الصعيد الأسري فإنّ الجلوس في البيت وأداء الصلوات مع الأسرة مكّن النساء من أداء الصلاة جماعة بما فيها صلاة التراويح التي تؤديها بعض النساء لأول مرة في جماعة.
كما مكّن الجلوس في البيت كثيرا من الناس في استغلال الوقت للإبداع والابتكار، والبعض استغله للقراءة والمطالعة وحفظ القرآن الكريم.
وعودة إلى الوضع البيئي فإنّ منع التجول وقلة حركة السيارات والطائرات له تأثيرات إيجابية على خفض نسبة التلوث البيئي، وتأثيرات إيجابية أيضاً على طبقة الأوزون، وهذا ما يؤكّده خبراء البيئة والمعنيون بشؤونها.
ووفقاً لما نشرته صحيفة اليوم السابع تقول الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة بجمهورية مصر العربية إن نسبة تلوث الهواء قلت 40%، والنسبة في العالم قلت بنسبة 48%.
وذكرت الصحيفة أيضاً أنّ خبراء الفلك لاحظوا أنّ سماء بريطانيا تحولت بالفعل إلى درجة أعمق من اللون الأزرق، ولعل ذلك بسبب انخفاض مستويات التلوث وسط إجراءات إغلاق فيروس كورونا، حيث قلت حركة المرور، ومستويات التلوث الناتجة من المصانع، وأعطت السماء لونًا أزرق أكثر صفاء.
ومن الجوانب التقنية تكشف لنا جائحة كرونا أهمية الدرون في حياتنا، فقد استخدمت الدرون في أعمال التوعية، ورش الطرقات بالمنظفات الصحية، كما استغلت في كثير من الدول لإيصال طلبات الناس في البيوت.
ومن هنا وجهت نداءً للجهات الرسمية في بلادنا عبر تغريدة في تويتر بإعادة النظر في موضوع منع التصوير بالدرون في عُمان الذي حرمنا كمصورين وحرم بلادنا من إظهار جماليتها من أجل الترويج لعُمان، فالتصوير بالدرون يكشف لنا جماليات لا يمكن رؤيتها من الأرض.
ونهاية الحديث ختامه مسك "قُل لن یصیبنا إلَّا ما كَتب اللَّه لنا هو مولانا وعلى للَّه فليتوكَّل المؤمنُون" صدق الله العظيم.