أتظنون من خيرٍ في كورونا؟!

 

حمد بن سالم العلوي

لقد ظللت أبحث عن خيرٍ في جائحة كورونا، وذلك تطبيقاً للمثل القائل "الخير في بطن الشر" وبالفعل وجدت بعض الخير في وباء كورونا المرعب، أهم شيء أن هذا الكون المخيف بماله من قوة وجبروت في بعض خلقه، فقد ركع متذللاً وذليلاً أمام جبروت كورونا، هذا الشيء (المرسل من ربِّه) وغير المرئي بالعين المجردة، فقد أوقع أوروبا وأمريكا وهما الجهتان الأكثر قوة حول العالم في فخ الوهم، واتضح أن قوتهما مجرد فص ملح وذاب.

حتى أنّ ترامب المرعب أخذ يهلوس من هول كورونا، فصار ينصح الأطباء بحقن الناس بمادة "CLOROX" وهذا المبيض الذي يضاف على الماء والصابون عند غسل الملابس، وفرنسا تتساءل ما الذي أوصل كورونا إلى قلعتها الحربية حاملة الطائرات المسماة "شارل ديغول" وهي في عرض البحر، واكتشف الأوروبيون أن مشهداً من مشاهد يوم القيامة قد حلّ بهم، وذلك قبل يوم البعث، وصار الناس يقولون اللَّهُمَّ نفسي نفسي، وقد أتاهم المدد من الصين وروسيا العدوين اللدودين كما كان يصور للناس في الغرب، وأظهرت كورونا فشل الرأسمالية الغربية، وإنما هذه الرأسمالية منظومة من الأصل فاشلة، لأنّها مسخ من السمات الإنسانية التي فطر الله البشرية بها، ونواميس الكون لا تجري إلاّ بالترابط الأسري والاجتماعي بين الناس، وأنّ الله خلقهم مسخَّرين لبعضهم البعض.

أمّا على المستوى المحلي، فقد اكتشفنا أنّ العُماني الذي يُشاد به في التعاون والانضباط الاجتماعي، قد نأى بعيداً عن هذه القيم الأصيلة المتوارثة، وخاصة القلة من الناس، فالعقيدة التي نمت لدى البعض في الأعوام الأخيرة، والتي تقوم على التجربة الشخصية قبل الاقتناع بأي موعظة ما، فعلى سبيل المثال هذا البعض ما كان يصدق أنّ الأودية تجرف السيارات، إلا إذا ما جرب المرء ذلك بنفسه، فإن هو نجا من الموت، فإنه يقتنع بنفسه ولنفسه وحسب، ولا يتعظ منه وبه غيره، وهكذا كان الحال مع وباء كورونا، وهنا المسألة تكون أكثر خطورة من تجربة الوادي، فالإنسان هنا لا يرى الوباء بالعين المجردة، ولأنه غير مقتنع بوجوده، حتى يقع طريح الفراش، فقد يكون عندئذ قد نشر الوباء في طول البلاد وعرضها، فعندما تقول لشخص ما، أحذر العدوى .. تراه يتبسم ضاحكاً من كورونا، فتكرر عليه القول نعم كورونا، فيرد نحن نأكلها بالصلصة.

وفي جانب آخر، ونتيجة لقرارات اللجنة العليا لمتابعة فيروس كورونا، اكتشفنا أننا ظللنا نتكلم عن الإدارة الإلكترونية، وأننا قطعنا شوطاً كبيراً في هذا الشأن، واتضح لنا أننا مثل "هبوب في جفرة" وليس صحيحاً أننا نستطيع إدارة أي شيء إلكترونياً إلا بشق الأنفس، وأنّ الفضل هنا لقياس الجاهزية يعود لكورونا، فقد تعلمنا "ربما من جديد" كيف ندير أعمالنا عن بُعد، والشيء الآخر أن نظام البصمة لإثبات لمس المدى، فهكذا كنا نلعب صغاراً في التسابق فنحدد جداراً أو جذع شجرة نلمسه لنؤكد السبق، ولكن منظومة البصمة هي تبرئ ذمة المسؤول، ولكن ربما يكون الحضور وهميا، فلا يتبع هذا الحضور إنجاز ما، وإن حصل فهو إنجاز ضعيف جداً، إلا مع القلة من الذين يخافون الله قبل الخوف من المسؤول، إذن العمل الناجع عندما يكون على صيغة مشاريع محددة وواضحة، طبعاً عدا موظفو الاستقبال ومن على شاكلتهم، وقد يثبت هذا التباعد سر النجاح بهذه الطريقة، أما طريقة البصمة فلا تصلح اليوم، بعدما انسلخ الناس من القيم، وأهملنا التربية الدينية والوطنية، فقد ركن الإنسان اليوم إلى الماديات، والمصالح الفردية.

وعلى صعيد آخر، فقد تركنا الاتكالية على أئمة المساجد، فتخيلنا أننا عملنا "ري ستارت" للعبادات والصلاة، فتخيّلنا أننا رجعنا إلى العهد الأول لدخول الإسلام، يوم كان الناس يصلون سراً في بيوتهم، فالقرآن الذي كنّا نقرأه في المصحف، صرنا نحفظ بعضه للتلاوة في التراويح مثلاً، وأخذنا نبحث عن أدعية رمضان المأثورة، ونحفظها للدعاء بها كما كان يفعل الأئمة في المساجد في صلاة التراويح، فهنا نقول هل هي وقفة لمحاسبة النفس وشطوطها واستعجالها الدائب.

كما أنّ من فضائل كورونا، تعلمنا "نحن في عُمان" الاستيراد المباشر من الموانئ العالمية المحيطة بنا، والاستيراد بطائراتنا من البلاد البعيدة، وهذه الجرأة والجسارة انزلتها كورونا على أنفسنا، بعدما كنا لا نجرؤ على طلب الفطام عن موانئ الجوار، رغم المِنة وضعف الود، فربما كنا نشعر أننا ناقصو ضلع وقدم، ونشعر بحكم التعود أنّنا لا نستطيع فعل ذلك بقناعة مزعومة، وكما يقول شعار (الصاعقة) وهي وحدة النخبة في الجيوش "من يجرؤ ينتصر" ها نحن قد تجرأنا فانتصرنا، أمّا من حيث السيادة الوطنية، والحفاظ المال، والحفاظ على الوقت، والحرية في اختيار المشتريات، فنحن الآن في أفضل حال، وقد نتجرأ على إعادة التصدير أيضاً،  فشكراً لك ربَّنا ربَّ كورونا.

ومن عزائم كورونا علينا، فقد نجحنا في التصنيع المحلي، وبحثنا عن العلماء والمبتكرين والمفكرين من تحت الركام والإهمال، وصار مكانهم في الصفوف الأولى، بعدما كانوا ينتظرون ريب المنون بالقرب من أبواب المقابر، فهناك ابتكارات واختراعات كادت أن تقبر هي ومبتكروها، ولكن اتضح أنّ المبتكر العُماني سيؤخذ بيده، وذلك بلفة كريمة من لدن صاحب العقل الكبير، وبتسريع الحاجة من كورونا الرهيبة، ولن تتوقف هذه الصناعات الوطنية، بل ستطور وترتقي إلى مراتب متقدمة، وفي الجانب الزراعي اكتشفنا أن عُمان بمقدورها أن تنتج القمح بكميات كبيرة، وأن المنتج العُماني ذات جودة عالية، وثقة طيبة في النفوس العُمانية، وأيضاً العالم الخارجي أصبح يثق في الصناعات العُمانية، بما وصل إليه من النذر القليل منها، وقد عرف جدِّيتها وجودتها العالية، والمنافسة لغيرها من التصنيع العالمي.

إذن؛ ومهما كانت كيَّات كورونا قاسية، إلا أنها الناجعة والشافية لنا، فلن أقول إلا اللَّهُمَّ ارفع عنا البلاء والوباء والأمراض وجميع الأسقام، ونكتفي من كورونا بالدروس والمواعظ والعبر، اللَّهُمَّ لطفك بنا ولطفك بعُمان وسلطانها المبجل؛ واحفظهما كما حفظت كتابك المنزل، وكل بلاد المسلمين يا رب العالمين.