تأملٌ سابق تعيدهُ الظروف!

المعتصم البوسعيدي

لقد شاءَ الله أن ينغلق العالم في هذهِ الفترةِ على نفسه، وأن يعم الهدوء والسكون، وأن تتوقف الرحلات الجوية والبحرية والبرية إلا للضرورات المُلحة؛ حيثُ يهدفُ الجميع لحمايةِ الروح الإنسانيةِ وصونها من فيروسٍ صغيرٌ في حجمهِ كبيرٌ في تأثيرهِ وخطورتهِ التي تصل بالنفس إلى الموتِ وفقدِ الأهل والأحبة والأصدقاء.

في خضمِ تأثير جائحة فيروس كورونا (كوفيد19) على مُختلفِ نواحي الحياة، كانت الرياضة ببطولاتها الصاخبة، واستثمارها الهائل، وجماهيرها المُتدفقة، كباقي المجالات تعيشُ في صمتٍ وترزحُ تحت وطأةِ الخسائر المالية، ولا تقوى على شيءٍ إلا المُشاهدة وانتظار ما سيحدث دون تنبؤ حتمي، ولعلَّ العالم الإسلامي يتفردُ بنظرةٍ استثنائيةٍ للرياضةِ خلال الأيام المُقبلة؛ فشهرُ رمضان المُبارك على الأبوابِ وجميعنا يعلم طقوس الرياضة فيه وما يتخللهُ من بطولاتٍ وبرامجٍ رياضيةٍ مُتنوعة.

قبل سنوات كنتُ من الذين يُشارك في فعالياتِ الرياضة الرمضانية ــ إن صحت التسمية ــ تنظيماً وتحكيماً ومشاهدة على مستوى الفرق الأهلية وأحياناً المؤسسية، لكنني ومع مرورِ الوقت أدركتُ أن الرياضة في رمضان ذات ضيقٍ لا يسعهُ الشهر الفضيل!!، وكتبتُ حول هذه المُعادلة الغريبة، وتمنيتُ أن تتوقف هذه البطولات أو على الأقل أن تُقنن بطريقةٍ أو بأخرى.

 سنستقبلُ بعد يومين- بإذن الله- شهر رمضان ليس كرمضانِ السنوات التي خلت، رمضانٌ خالٍ من الطُرقاتِ المُفعمةِ بالأحاديث، والأسواق المُكتظة بالناس، والمساجد النابضة بالذكرِ والقرآن والدعاء، والملاعب المُمتلئة بعرقِ اللعب وعيون المشاهدة وأفواهِ التشجيع، فقد اقتضت المشيئة الربّانية بأن تقدم دروساً لهذا الكون الفسيح منها ــ حسب رأيي ــ أن تتنفس الأرض من تلويثِ البشر، وأن ترتسمُ حقيقة الأشياء كشوكٍ خفي يسكنُ غصن الزهر، كما وتعطي معنى الرياضة في شهرٍ تسطعُ أنواره ليُضيء عتمة القدر؛ فالثلاثينَ يوماً أدعى أن نُمارس فيها رياضة مُجتمعية بسيطة لا تستنقص من أوقاتنا الرمضانية التي يُمكن أن نستثمرها في منفعةٍ أكبر على صعيدِ الأسرة والقراءة وتعزيز القيم والمبادئ ومراجعة شاملة تستشرف مستقبلا آتِيا وتترجم حاضرا آنيا يُمكن أن يصبح أفضل عمّا هو عليه اليوم.

يُقال: "في بطنِ الشر يكمنُ الخير" وفي كورونا صدفٌ تحتاج صيادا ماهرا يغوص ليستخرجها وينال قيمتها العالية، وحقاً "إنّ العالم قبل هذه الجائحة لن يكون العالم ذاته بعدها" وبالتالي نحتاج أن نستفيد وندرك ما لنا وما علينا، ومع معايشة رمضان الفطرة الصحيحة يجب أن نعرف قيمة الرياضة ووقتها المثالي وأن نجعلها كرسالة الفيفا للعالم؛ نجومٌ كروية لامعة تصفق لنجوم الطواقم الصحية الألمع. وكذا الرياضة في رمضان نجمة كبيرة تصفق لأوقاتٍ رمضانية توضع في ميزانها الصحيح لتُرجح كفة المقاصد النبيلة.