سعود الدرمكي.. الفنان الذي رحل دون وداع

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

رحل الفنان سعود الدرمكي عن عالمنا الأسبوع الماضي، رحل دون ضجيج، في زمنٍ لا جنازة فيه، رحل وترك خلفه آلاف المحبين الذين رسخ في ذاكرتهم كفنان وكإنسان، رحل وهو يصارع المرض، وغاب دون أن يتبع جنازته الكثيرون ممن أدخل في قلوبهم البسمة بشخصيته الأشهر (سلوم الحافي) في مسلسل (سعيد وسعيدة)، فبعد سنوات طويلة من عرض هذا العمل ما تزال هذه الشخصية راسخة في عيون المشاهدين، وقابعة في ذاكرتهم، يبتسمون كلما تذكروها، ويحنّون لأيام الفن الخوالي.

عرفتُ المرحوم سعود الدرمكي في أوائل التسعينات حين كنت محررا لصفحة (الإذاعة والتلفزيون) بجريدة عُمان، حين كانت الدراما العمانية حينها في عز عطائها، من خلال شخصيات مؤثرة رحل بعضها، واعتزل بعضها، وما زال آخرون في عطائهم وموهبتهم المتقدة أمثال: صالح زعل، وفخرية خميس، وطالب محمد، وجمعة هيكل، وأمينة عبد الرسول، وصالح شويرد، وشمعة محمد، وسالم بهوان، وسعد القبّان، وجمعة الخصيبي وآخرون ممن كان الفن أصيلاً في دمائهم، وموهبتهم هي كل ما يملكونه، لم يكن العائد المادي مغريا يوما في ما في الدراما التلفزيونية، ولكن حب الفن هو ما كان يجري في عروق هؤلاء الفنانين.

قبل سنوات بعيدة رحل الفنان جمعة الخصيبي، تلاه الفنان سعد القبّان، ثم تلاهم سالم بهوان، وبالأمس لحق بهم سعود الدرمكي، هؤلاء الفنانون أعطوا وما بخلوا على الفن العماني، أخرجوه من عزلة الشخصية الواحدة، وانطوائية العمل الارتجالي إلى الغوص في أعماق الشخصية النفسية والدرامية، ابتدعوا (كاريزماهم) الخاصة، وخرجوا من الأدوار النمطية التي ظلت تسيطر على الفنان العماني، ودرسوا الشخصيات التي أدّوها بدقة وأضفوا عليها أبعادا عميقة ومركبة بحرفية ومهنية عاليتين.

فشخصية (سلوم الحافي) مثلاً أخرجت شخصية البخيل من إطاراته ثقيلة الدم، الجشعة، والحريصة على المال إلى أعماقٍ أوسع، وتداخَل البخيلُ النمطي مع الفكاهي، والبسيطُ مع المعقّد، والقبيحُ مع الجميل، وكان المسلسل بحد ذاته مثالاً نموذجيا في ما يسمى بـ (كوميديا الموقف) وكوميديا الشخصية في نفس الوقت، كما كان لبساطة الأداء وعدم التكلّف، واستخدام (سلوم) للهجة دارجة مبسّطة دورٌ في تقبّل المشاهد لذلك الدور، واحتفاظه بتفاصيل بعض المواقف بعد سنوات من أدائه، وهذا هو سر الأعمال الخالدة.

رحل سعود الدرمكي محمّلا بباقات من ورود الأصدقاء، وقبلاتهم البعيدة، رحل وترك خلفه عشرات المسلسلات والأعمال الفنية التي ستظل محفورة في ذاكرة الدراما العمانية، رحل في صمت مودَّعا بدموع المحبين الذين لم يحظوا بفرصة المشاركة في جنازته وعزائه، مُظّللا بغمامة حنينهم الذي ظل ملازما له، حيث اختلط الفنان بالإنسان، واختلط حزن الوداع بدعوات الناس الذين رسم على وجوههم البسمة، وبرحيل هذا الفنان تفقد الساحة الفنية العمانية أحد ركائزها الهامة، وعناوينها العريضة التي كتبها وأخرجها ومثّلها، وتركها لتحيا في عيون من عرف طعم الفن الأصيل على يد رجل آمن بالفن، ورحل دون وداع يليق به.

رحم الله الفنان سعود الدرمكي، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان..

وإنا لله وإنا إليه راجعون.