لا أحد يعترف بأن تكلفة التباعد الاجتماعي تفوق الفوائد المتحققة

"كورونا" يفرض مقايضة خاسرة بين الموت والانهيار الاقتصادي

 

 

 

ترجمة- رنا عبدالحكيم

قالتْ مجلة ذي إيكونومست البريطانية إنَّ وباء كورونا المستجد "كوفيد 19" المتفشي في جميع أنحاء العالم يفرض خيارات بائسة؛ إذ يطرح أسئلة مثل: هل يجب أن تذهب الموارد الطبية إلى مرضى "كوفيد 19"، أم إلى أولئك الذين يعانون من أمراض أخرى خطيرة؟ وهل يُمكن لارتفاع نسب البطالة وانتشار الإفلاس بين الشركات والأفراد أن يكون ثمنا مقابل إنقاذ البشر؟ وإذا فشل التباعد الاجتماعي الصارم في إيقاف المرض، فإلى متى يجب أن تستمر الإجراءات الاحترازية والاستثنائية؟

ويقول تقرير المجلة: "تخيل أن لديك مريضين بأمراض خطيرة، لكن هناك جهاز تنفس واحد فقط، فماذا تفعل؟ هذا هو الخيار الذي قد يواجه الطواقم الطبية في مستشفيات نيويورك وباريس ولندن في الأسابيع المقبلة، تمامًا كما حدث في لومباردي بإيطاليا ومدريد بإسبانيا. إذ يتطلب الموقف قرارات مؤلمة، ويجب على الأطباء أن يحددوا من سيُعالج؟ ومن يجب أن يرحل؟ أي من قد يعيش ومن سيموت على الأرجح؟!".

وتزداد الخيارات صعوبة مع ازدياد معدل الإصابات والوفيات. ويبدو أن جهود مكافحة الفيروس اتنفدت بالكامل. فمثلا أعلنت الهند إغلاقا لمدة 21 يومًا بدءًا من 24 مارس الماضي. وفي روسيا وبعد أن أصرت على أنها كانت محصنة تمامًا من تفشي المرض في عام 2019، أمرت بعمليات إغلاق صارمة، مع تهديد بالسجن لمدة سبع سنوات لمن ينتهك الحجر الصحي. وطُلب من 250 مليون أمريكي البقاء في منازلهم. وكل بلد يقوم بمقايضة مختلفة، لكنها ليست منطقية.

ففي الهند مثلا، قررت حكومة ناريندرا مودي أن أولويتها كانت السرعة، وربما نتيجة لذلك لم يفلح الإغلاق، ولم تفكر الحكومة في العمال الذين تدفقوا من خارج المدن، ونشروا المرض فيما بينهم ونقلوه إلى قراهم.

لكن الإجراءات الواضحة والموثوقة ساعدت على ضمان امتثال الأشخاص للتدابير الصحية في دول مثل سنغافورة وتايوان. أما بعد أن ضرب الفيروس روسيا، فقد أصبح الرئيس فلاديمير بوتين أكثر اهتمامًا بتقليل الضرر السياسي وحجب المعلومات لإخراج بلاده من الأزمة. أما أمريكا، فلا تزال تفاضل بين استمرار الاغلاق وإنقاذ الاقتصاد.

أينما تنظر، فإنك ترى مقايضات مختلفة؛ فالصين عندما تغلق حدودها للأجانب بشكل شبه كامل، فإنها توقف الإصابات الوافدة من الخارج، لكنها في الوقت نفسه تعرقل أداء الشركات الأجنبية. وحتى الجهود الكبيرة المبذولة لتصنيع وتوزيع لقاحات "كوفيد 19" ستنقذ الأرواح، لكنها قد تؤثر على برامج التحصينات التي تحمي الأطفال من أمراض الحصبة وشلل الأطفال.

 

للمزيد (اضغط هنا)

 

 

والسؤال الجوهري هنا: كيف يجب أن تفكر الحكومات في هذه المقايضات؟

المبدأ الأول هو أن تتحلى بالمنهجية؛ إذ في الحرب أو حالات الوباء لا يمكن للقادة الهروب من حقيقة أن كل مسار عمل سيفرض تكاليف اجتماعية واقتصادية هائلة.

المبدأ الثاني يتمثل في مساعدة أولئك الذين هم على الجانب الخاسر من المقايضات المعقولة. فالعمال الذين أقيلوا في عمليات الإغلاق القسري يستحقون مساعدة إضافية؛ والأطفال الذين حرموا من الوجبات الغذائية المدرسية يحتاجون إلى الطعام. وبالمثل، يجب على المجتمع مساعدة الشباب بعد أن تخفت حدة الوباء. وعلى الرغم من أن المرض يهددهم بشكل أقل حدة، إلا أن معظم العبء يقع عليهم اليوم ومستقبلا؛ عندما تسدد البلدان قروضها.

المبدأ الثالث أنه يجب على البلدان التكيف مع الأوضاع؛ حيث ستتغير التكاليف والفوائد مع ظهور الوباء. فالإغلاقات تستهدف شراء الوقت، وهو سلعة لا تقدر بثمن. وعندما يتم رفعها، سينتشر "كوفيد 19" مرة أخرى بين الأشخاص الذين لا يزالون عرضة للإصابة. لكن المجتمعات يمكن أن تستعد بطريقة لم تقم بها أبدًا في الموجة الأولى، من خلال تزويد الأنظمة الصحية بمزيد من الأسرة وأجهزة التنفس والموظفين. ويمكنهم دراسة طرق جديدة لعلاج المرض وتجنيد جيش من فرق الاختبار والتتبع لاكتشاف المصابين الجدد. وكل ذلك يقلل من تكلفة الانفتاح الاقتصادي.

وبحلول الصيف، ستعاني الاقتصادات من انخفاض مزدوج في الناتج المحلي الإجمالي الفصلي. وسيتحمل الأفراد أعباءً إضافية لشهور، مما يهدد بالإضرار بالتماسك الاجتماعي وصحتهم العقلية. وستكلف عمليات الإغلاق على مدار العام أمريكا ومنطقة اليورو ثلث أو نحو ذلك من الناتج المحلي الإجمالي. وسوف تنهار الأسواق وتتأخر الاستثمارات، وستتلاشى قدرة الاقتصادات مع توقف الابتكار وتدهور المهارات.

وفي النهاية، حتى لو كان الكثير من المصابين يموتون، إلا أن تكلفة التباعد قد تفوق الفوائد المتحققة، وهذا جانب من المفضالات التي لا أحد مستعد للاعتراف بها إلى الآن.

تعليق عبر الفيس بوك