"فورين أفيرز": "أمريكا أولا" خيال مريض لا يناسب جائحة كورونا

 

ترجمة - رنا عبدالحكيم

لا ينبغي أن يكون من المستغرب أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -الذي يطلق على عقيدة سياسته الخارجية "أمريكا أولاً"- قد قللت إلى حد كبير من أهمية التغلب على جائحة الفيروس التاجي الجديد في الخارج بالنسبة لأمن الولايات المتحدة، واتسم ترامب بالبطء في إدراك أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تحمي نفسها من الفيروس، والآن فإنها الأولى عالميا في معدل الإصابات.

ومع ارتفاع عدد الضحايا داخل الولايات المتحدة، نفذت الإدارة والعديد من المحافظين متأخرين إجراءات احتواء صارمة، وتدخل الكونجرس في حزمة تحفيز بقيمة 2.2 تريليون دولار لتوفير الإغاثة الاقتصادية المؤقتة للعمال والشركات الأمريكية، فصحة وسلامة الشعب الأمريكي هي الأولويات الصحيحة للحكومة الأمريكية، ولكن التركيز بشكل ضيق على مكافحة الفيروس في المنزل مع السماح بانتشاره في الخارج سيكون قصير النظر.

وفي مواجهة هذه الأزمة العالمية، قد يحاول ترامب ترك دول أخرى للتعامل مع مشاكلهم الخاصة، بينما هو يضع الجدران حول الولايات المتحدة. لكن هذه الرؤية خيال خطير. حتى إذا كانت الولايات المتحدة ستمنع بشكل دائم دخول مواطنين من أجزاء كبيرة من آسيا أو إفريقيا أو الشرق الأوسط، فإن الاشخاص اليائسين من تلك المناطق سيشقون حتمًا طريقهم إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك وكندا وأوروبا.

 وحتى إذا كان من الممكن بطريقة ما منع الأشخاص من القدوم من تلك الدول، فإن التكاليف التي تتحملها الولايات المتحدة لإغلاق نفسها بعيد عن أهم شركائها التجاريين ستكون أكبر من تكاليف العمل على احتواء الفيروس في بلدان أخرى، والخيار الأكثر واقعية هو أن تقود الولايات المتحدة جهوداً دولية حازمة لإنهاء الوباء.

لقد ضاع الكثير من الوقت وضاعت العديد من الفرص، ولكن لا يزال بإمكان الإدارة والكونجرس التصرف. يجب على الإدارة أن تتخلى عن الوهم القائل بأن مرضًا معديًا يمكن إيقافه عند الحدود الأمريكية، وينبغي لوزير الخارجية بومبيو أن يبدأ في بناء تحالف لمكافحة الوباء من خلال المنظمات القائمة مثل منظمة الصحة العالمية، ومجموعة السبع، ومجموعة العشرين وغيرها.

وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن أن تعيد التفكير في تخفيضات المساعدة التي ستحكم على الكثيرين بالقتل والجهود الاحتواء المحلية. وبدلاً من ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن توفر شريان الحياة المالي، بشكل مستقل ومن خلال صندوق النقد الدولي، إلى البلدان التي تركتها اقتصاداتها الهشة بدون الموارد للتعامل مع الأزمة.

وتشكل جائحة الفيروس التاجي تهديدًا للأمن القومي للولايات المتحدة. يجب أن يعكس التشريع الإضافي والتمويل الإضافي هذا الواقع من خلال تضمين المزيد من الموارد للتعاون العلمي الدولي، والمزيد من الدعم الأمريكي للسكان المستضعفين، والتمويل الطارئ المرن للاستجابة العالمية. وستشمل هذه الاستجابة دعم البنية الأساسية الحيوية للرعاية الصحية والتعليم العام، وتسهيل التطوير العالمي للعلاجات واللقاحات وتوزيعها، ومساعدة اللاجئين والنازحين في المخيمات المكتظة، وتقديم الدعم للمنظمات الإنسانية الأمريكية على خطوط المواجهة.

نحن نعلم من الأوبئة الماضية أنَّ التقدم ممكن، ولكن يجب علينا أولاً أن ندرك أن الأمريكيين لن يكونوا آمنين حقًا إلا عندما يكون بقية العالم آمنًا أيضًا. وفي سبتمبر 2019، أعلن ترامب بفخر للأمم المتحدة أن "المستقبل لا ينتمي إلى العولمة.. المستقبل ملك دول مستقلة ذات سيادة تحمي مواطنيها وتحترم جيرانها وتحترم الاختلافات التي تجعل كل دولة خاصة وفريدة من نوعها". وبعد ستة أشهر، مع وفاة الأمريكيين بأعداد مروعة، فإن مثل هذه النظرة للعالم ليست سوى الضحية الأخيرة لممرض مميت لا يحترم الحدود ولا يمكن هزيمته إلا برد عالمي حقيقي.

تعليق عبر الفيس بوك