جمال الكندي
فيروس كورونا "كوفيد 19" الذي أصبح وباءً عالميًّا، بعد أن كان في الصين وبعض الدول، اليوم يسمى جائحة بمعنى الكلمة، وأصاب أغلب دول العالم، ولكن بنسب متفاوتة، فبعد أن كان مركز الفيروس مدينة "ووهان" بالصين تغيرت الخارطة وانتقل إلى قلب أوروبا وأمريكا.
أمريكا تسجِّل أعلى نسبة من المصابين بهذا الفيروس، والذي تخطى حاجز المائة ألف مصاب، هذا التغيير الكبير في أعداد المصابين بهذا الفيروس سنتناوله من زاوية كيفية المعالجة، ونظام المعالجة في النمط الشرقي والغربي، وعندما نذكر هذه الآلية في القياس نعني فكرَ هذه الدولة في تعاملها مع هذا الوباء من الناحية الصحية.
"كيفية المعالجة".. وهنا يأتي فكر الدولة، ومركزية الدولة، وقوة الدولة وسيطرة الدولة، وهو يعني أنها لا تعمل من أجل المصالح الحزبية على حساب الشعب، وهنا يظهر لنا الفارق بين النمط الشرقي والنمط الغربي الرأسمالي المتوحش، الذي يهتم بالربح والخسارة المالية وليس البشرية.
الصين واجهت فيروس "كورونا المستجد" بعقلية نظامها السياسي، هذا النظام الذي يصفه الغرب بأنه ضد حقوق الإنسان، استطاع إدارة الأمور مع تشرب مواطينها هذا الفكر بمراحله التاريخية المختلفة في القضاء على فيروس كورونا في بؤرته الأولى مدينة "ووهان الصينية"؛ فطريقة تعامل الصين لمواجهة الفيروس أصبحت تصدر إلى دول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول، وهذا ما يزعج أمريكا ولا تقدر أن توقفه فهي بحاجة لخبرات الصينيين في مواجهة هذا الفيروس.
الصين تعاملتْ مع مواطنيها بمنطق المساواة مع الجميع، وهو الفكر المتناقض مع الرأسمالية، التي تنظر للبشر على أنهم مال يستفاد منه فقط، وهنا تأتي المفاضلة مع الفكر الغربي، والصين استطاعت أن تسيطر على انتشار الفيروس بآليات فكرها السياسي الذي يختلف عن الفكر الغربي من الناحية الاقتصادية والسياسية والرعاية الطبية.
هنا.. ندخل في البند الثاني في كيفية المعالجة، والكيفية لا بد لها من بنية صحية متينة تراعي المواطن، وكما قلنا في الفكر الشرقي هذا الأمر من الأولويات، ومن أجل ذلك لابد من وجود قانون رعاية صحية قوي يراعي المواطن وله بنية قوية لمواجهة الأزمات فهل لدى الصين هذه الميزة؟!
نظام الراعية الصحية هو الفارق بين النمط الشرقي والغربي في مواجهة فيروس كورونا، فالحزب الشيوعي الصيني دمج مبدأ المساواة في مجال الحصول على الرعاية الصحية لكل الصنيين، وهذا الذي يفتقده النمط الغربي الرأسمالي وما حرب الرئيس "ترامب " ضد نظام "أوباما كير" إلا شاهداً للتوحش الرأسمالي في مجال الرعاية الصحية التي تقاس عندهم حسب المنفعة المالية وليس من أجل بشرية البشر.
هذا الأمر، انعكس سالباً أو إيجاباً على كيفية التصدي لفيروس "كورونا" حسب الفكر السائد لهذه الدولة وتلك، والنجاح الصيني في السيطرة على هذا الوباء يأتي بسبب فكرها السياسي في تعاملها مع مواطنيها في الرعاية الصحية التي لا تستثني كبيراً أو صغيراً غنياً أو فقيراً؛ فكلهم في كنف الدولة واحد. من أجل ذلك توفر الدولة نظام رعاية صحية قويا، له بنية متينة تستطيع خدمة مواطنيها، وهذا ما كان في الصين بدون الدخول في تفاصيل ذلك.. المهم النتيجة، والنتيجة هي سيطرة الصين على المدينة التي انتشر فيها هذا الوباء، ودون أي مساعدة من أي دولة في العالم.
وبالمقابل، النمط الغربي في تخبُّط ولا يستطيع السيطرة على هذا الوباء، وأظهرت النتائج افتقاره إلى أدوات التصدي لهذا الوباء، وغياب المصلحة الوطنية الواضحة عند أصحاب القرار وبروز المصالح الحزبية، وهنا تتضح فائدة هيمنة الدولة المركزية في مثل هذه الظروف والتي ذكرناها في النمط الشرقي.
الصين اليوم تصدِّر تجربتها في مواجهة فيروس "كورونا" إلى أكثر من 95 دولة حول العالم، وإلى أمريكا نفسها، وحينما تفعل ذلك فإنها تفعله بطريقتها في المعالجة، وهذا يعني بفكرها في الرعاية الصحية، وفكرها بقيادة الدولة، وهذا كله ينافي الفكر الغربي، ولكن كما يقال "الضرورات تبيح المحظورات"، والذي كان محظورا في السابق أن يأتي من الصين أصبح اليوم مقبولاً بسبب فيروس "كورونا"، وها هي إيطاليا وفرنسا وجل أوروبا تستنجدان بالصين، وتريد أن تستفيد من تجربتها في التصدي لفيروس "كورونا"، وكيف استطاعت الصين بنظامها الصحي الذي -كما قلنا- يختلف عن النظام الغربي في أن تواجه "كورونا" بمفردها وتسيطر عليه، وأوروبا بكل دولها عاجزة وتطلب المساعدة، ومن بعدها أمريكا التي يتصل رئيسها بالرئيس الصيني طبعاً ليس للمسامرة، بل لطلب المساعدة التي عرضتها الصين على أمريكا، وهذا الأمر يظهر لنا مدى هشاشة النظام الصحي في الشق الغربي، وأنَّ المصلحة المالية مقدمة على مصلحة الشعب بعكس النظام الشرقي، الذي تمثل في الصين، وكيف أنها نجحت بفضل فكر الدولة الذي لا ينظر للشعب بأنهم أرقام مالية، إما أن يكونوا نافعين للدولة أو عبء مالي عليها، ومن هنا تأتي المفاضلة بينهم.
اليوم.. في زمن فيروس "كورونا" معيار الدولة القوية ليس بما تملكه من أسلحة نووية وأساطيل حربية منتشرة في العالم، وناتج محلي مرتفع يتربع على عرش اقتصاديات العالم، بل المعيار هو كيفية محاصرة هذا الفيروس ونسبة من تماثلوا للشفاء، والنسبة في الصين هي 90% من عدد المصابين، وهذا يعني تفوق بنية الرعاية الصحية على غيرها في النمط الغربي، والقضاء على هذا الوباء يعني الاستقرار السياسي والقوة الاقتصادية للصين، مقارنة مع غيرها من الدول الكبرى في العالم، وكورونا اليوم هو الفاصل في تمييز الدولة القوية عن الضعيفة؛ حيث كشف لنا هذا الفيروس هذا الأمر بكل وضوح، وأخيراً في زمن فيروس "كورونا" التشابك الاقتصادي والسياسي والتسوية العسكرية، بات مطلبا ضروريا في مناطق الأزمات في العالم، والاشتباكات العسكرية والسياسة لابد أن ترفع راياتها البيضاء من أجل القضاء فيروس "كورونا".