د. أحمد بن عبدالكريم بن عبدالله
تعدُّ المبادرة، والمسارعة إليها، من أعظم القيم والمبادئ الحسنة التي يتربَّى ويعتاد عليها الإنسان؛ فقد أمرنا الله تعالى بإعداد الأمة وتهيئتها، وبيَّن لنا أنه لا يتساوى ذلك المبادر الكريم الذي تجده دائما في المقدمة للمسارعة إلى أعمال الخير.
وبيَّن ذلك المتردد عن الوقوف إلى جانب أهله ومجتمعه والبشرية أجمع، فلا يشد من عضدهم ولا يلتمس حاجاتهم مهما كانت المواقف والظروف، قال تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم"؛ مما يدلُّ على أن الله سبحانه وتعالى يريد منا دائما أنْ نكُون من المبادرين الذين يسعون للأعمال الخيرة والمفيدة لهم ولمجتمعاتهم والإنسانية أجمع؛ سواء كان ذلك بشكل فردي أو جماعات، وهذه الثقافة تعد من أرقى الثقافات والبرامج التى يُمارسها رجال المال والأعمال والمشاهير في العالم المتحضر، فتَرَاهم دائمًا لا الحصر يبادرون إلى القيام بالزيارات الميدانية لبعض الأحياء الفقيرة في بلدانهم يقدمون لهم الدعم والمساعدات، وكذلك إلى الجامعات ومراكز البحوث العلمية والجمعيات الخيرية، يدعمونها ويتبرَّعون لها ويرعون برامجها، وبذلك يكسبون الشهرة الكبيرة والمحبة العظيمة لدى شعوبهم وشعوب العالم الأخرى نتيجة قيامهم بمثل هذه الأعمال الخيرية والتطوعية التي تُساعد في تقدُّم بلدانهم ونموها؛ وتقوم الأمم المتحدة والمنظمات العالمية باختيارهم ليكونوا ممثلين لها في بعض المجالات تكريما لمساهماتهم الإنسانية.
تأتي هذه المبادرات من الذات دون الانتظار، وهي عبارة عن السبق أو المبادءة، من منطلق مجتمعي أو وطني أو إنساني، وبهمة عالية نحو التجاوب بالإسهام في تقديم عمل يفيد المجتمع دون مقابل نتيجةً للحاجة إلى ذلك في أوقات أو ظروف محددة أو طارئة، وقد يكُون ذلك على شكل معونات مالية أو خدمات عامة أو تطوعية لفئات المجتمع المتنوعة بطرق ونسب مختلفة حسب قدرات وإمكانيات الجهات المقدمة.
وتُعتبر المبادرة من الركائز الاقتصادية المعاصرة التي تشجع التنافسية الإيجابية بين قطاعات الأعمال الخاصة والمختلفة لتعزيز ورفع دعم المستوى المعيشي للمجتمعات، وتوفير بعض احتياجاته الأساسية؛ لذلك فهي تعد سلوكا راقيا وعظيما ينمُّ عن الشعور بالحب والانتماء والتفاني ورد الجميل للمجتمع الذي نعيش فيه وللإنسانية بشكل عام.
ويُمكن للدول أن ترسخ الأسس والقواعد الأساسية لغرس ونشر ثقافة المبادرات في المجتمع، وإبراز دورها في الشراكة لتحقيق التنمية المجتمعية الشاملة؛ من خلال التركيز على التوعية ووسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى محتوى النظام التعليمي وتأسيس المراكز المتخصصة بإعداد المشاريع والبرامج التطوعية المدعومة من قبل القطاع الخاص.
وختاماً.. جزيل الشكر والتقدير لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- القائد القدوة ورائد نهضة عُمان المتجددة الذي كان لمبادرة جلالته المحفز الرئيس والأثر الكبير في تحريك مبادرات رجال الأعمال والقطاع الخاص؛ فشكراً لهم جميعاً على ما قدَّموه من دعم ومساندة للوقوف إلى جانب الشعب والحكومة في هذه الأزمة العالمية لمكافحة نقل وانتشار عدوى فيروس كورونا (كوفيد 19)، كما نأمل وندعو من لم تسعفه الظروف أن يلحق بالركب، فكلنا نحسن الظن بهم جميعاً وكل عماني محب وغيور يعيش على ثرى هذا الوطن، ويتمتع بخيراتها، لن يبخل عليها في مثل هذه الظروف والأوضاع بتقديم مبادراته.