الحب في زمن الموت

 

فاطمة الحارثية

نعم، أسدل الستار على الكثير من المناشط والأعمال والحياة بشكل أو بآخر، أُغلقت الأبواب واقترب البعيد أكثر، وقل السؤال عن الحال لرؤيته عن قرب سواء بين أفراد الأسرة الذين أنهكتهم الأعمال والمدارس والمناشط الحياتية المختلفة أو مشاغل وحجج كانت.

رُبما استهل الوضع بالمقاومة، ثم الصدمة، بعدها بدأ التأقلم والتعلم من زوايا متعددة؛ لأن حتى الخبر الهاتفي الذي كان يُمثل حياة للتواصل الاجتماعي الصاخب سابقا، بات في هذه الفترة يُكرر نفسه في ذات الموضوعات، لا أحد يُفكر بجذب القاعدين خلف أسوار غرفهم ومنازلهم بما يُسليهم ويخفف عنهم وطأة وصدمة ما هم فيه، ومع احترامي لجهات كثيرة "ناصحة" تحاول إرساء الضبط، بيد أن الإنسان يبقى محكوما بإنسانيته وفطرته.

- اجلس في البيت.

نعم، وماذا بعد ذلك؟ الأخبار ليس فيها غير المآسي، والتواصل الاجتماعي ذخيرة من الشائعات وترهيب وترعيب وطلبات ونصائح لا تنتهي، ماذا أفعل في البيت؟ كيف أحتوي الصمت وأنا في عزلة؟ كيف أتعامل مع صغاري وهم خلف الجدران في اشتياق؟ كيف أقول لصغيري لا أستطيع أخذك إلى الحديقة أو الملاهي؟ كيف أشرح لأطفالي لماذا لا يستطيعون العودة الى المدرسة وإكمال سنتهم الدراسية؟ كيف أخفف عنهم معرفة أنهم ربما يفقدون عاما من سنواتهم الدراسية؟ أو عزيزا؟ كيف أحمل صغيري إن تألم أو أضمِّد جرحه الصغير إن جَرح نفسه في لهوه؟ أو أنقله إلى مستشفى ما ليعالج زكام ألم به؟ الكثير المُجهد.

14 يوما حبيسا.. يسمع أنين أطفاله، وسؤال زوجته وأحبائه من خلف الجدران، وهو عاجز حتى أن يُشاركهم ابتسامته! هو ليس بحاجة إلى استشارة بقدر حاجته لبعض الأمل، ابنه ليس بحاجة لنصائحكم بقدر احتياجه لدفء حضن أبيه، ابنته ليست بحاجة لقراءة عداد وإحصائيات المصابين والموتى التي تضج به الجرائد والتواصل الاجتماعي، بقدر ما هي في شغف لأن تُكمل تعليمها لتصبح طبيبة تداوي ألم أبيها.

لست وحيدا في المعركة، ولكي تربح أي معركة لابد أن تحترم عدوك، ربما كسر الصمت يأتي في بعض القراءة، بيد أن كسر جدران البُعد ليس إلا بالصبر. ربما بعض اللهو المنزلي قد يُحدث فرقًا بين أفراد الأسرة، لكنه لن يعود بالأمر اليسير مع ازدياد فترة البقاء في المنزل. أضف إلى ذلك الضغط النفسي لمن يعملون من منازلهم ومتغيرات الوضع العام، وعدم استقرار أسعار المواد الأساسية في الأسواق والكثير من الأحداث المرهقة على الناس جميعا.

-----------------------

جسر:

نعم، إننا بحاجة للحُب في زمن "كوفيد 19" وأزمة انهيار الاقتصاد، الحب الذي يكنه المتحدون والمتآخون من قلوبهم الى بعضهم البعض، حب الله في كل أمورنا، حُب يجعل العُسر يُسرًا، حُب يخلق الإبداع، ويبني الحلول، ويوجِد العطاء في كل ثناياه، وينشر الوئام والسلام مرة أخرى على أرضنا وتحت سمائنا.. "وإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ" (العاديات)