حتى لا ننسى المسرَّحين من وظائفهم!

عبد الله العليان

في ظلِّ الظروف الراهنة، مع تحديات وباء "كورونا" (كوفيد 19)، التي تكاد تشل حركة النشاط والسعي للرزق؛ بسبب التعليمات والتوجيهات من اللجنة العليا لمكافحة هذا الوباء الخطير، وعدم الخروج من المنزل تفاديًا لمخاطره وآثاره الوخيمة، وهو قضية عالمية؛ حيث يُواجه المسرَّحون العُمانيون من بعض الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، أزمة إبعادهم من وظائفهم منذ عدة أشهر، وما زالوا في هذه الأزمة، وهي ظروف قاسية يمرُّ بها العالم كله كما أشرنا، وهذه أزمات أخرى تُضاف إلى هذا الأمر بالنسبة للمسرَّحين؛ مما يجعل المعاناة مضاعفة عليهم حقيقة، خاصة وأنَّ الكثيرَ منهم أصحاب عائلات، وفي ضَائقة مالية عسيرة، وأعرف شخصيًّا بعض هؤلاء وما يُعانونه، والذي يجعل الأمر صعباً جدًّا عليهم أنَّ بعضهم عليهم التزامات مالية من البنوك، والبنوك لا تعترف بما أنت فيه ولا تلتفت إليه ولا بد من السداد، أو رفع القضايا من أجل السداد؛ فماذا يفعل هؤلاء في ظل الظروف التي تحيط بهم من كل جانب؟!

وكما نعرف أنَّ القطاع الخاص مُستوعب لمئات آلاف من العمالة الوافدة في كل القطاع، وبعضهم أيضا في القطاع الحكومي؛ فهؤلاء يستطيعون الإحلال، ويكونون البديل، وفق إمكانياتهم ومهاراتهم التي تتناسب وهذه الوظائف الجديدة لهم، صحيح أنَّ الظروف الاقتصادية في هذه الفترة، بعد انخفاض أسعار النفط، ليست على ما يُرام ولا تزال، وهي ظروف مؤقتة للقطاع الحكومي والأهلي، إنما القطاع الخاص لا تزال لديه من الوافدين أعداد كبيرة، ومن هنا لا بد من القيام بالواجب في استيعاب الأعداد المسرحة من الشركات التي لديها فرص للاستيعاب، وفق قدرات وعدد الذين يعملون في العمالة الوافدة، وقد أشرتُ في مقالات سابقة عن الزيادة من العمالة الوافدة في بلادنا، والتي تزيد على المليون عامل، في كل القطاعات الفنية والإدارية، بما فيها قطاع وكالات السيارات التي تضم آلاف الوافدين، وهذا الرقم كبير جدا، وهو رقم ينافس العمالة العمانية في كل المجالات، وفي بعض شركات وكالات السيارات، نجد العمالة العمانية قليلة جدًّا، مقارنة بالعمالة الوافدة، التي هي الأغلبية في كل الجوانب المحاسبية وحتى الإدارية!

ومما كُنت أقوله في كتابات سابقة عن غياب التعمين في القطاع الخاص، وعاق دون تحقيق الإحلال بصورة طبيعية منذ عدة عقود هو "غياب "التعريب" في غالبية هذه الشركات والمؤسسات، وهذا الغياب أسهم بلا شك في غياب العنصر الوطني في هذا القطاع بصورة كبيرة، وهذه مُعادلة تحتاج إلى مراجعة من الدولة وتعاون القطاع الأهلي".. وبعض الشركات والمؤسسات تتذرَّع بأن بعض المعاملات، تتطلب اللغة الأجنبية، وأنَّ السبب هو أن طبيعة العمل تستدعي هذه اللغة، وهذا القول أعتقد حُجة ليست مُقنعة بصورة كاملة؛ لأنَّ الكثير من الشباب العُمانيين في فترة السبعينيات والثمانينيات، مُستواهم الدراسي لا يتجاوز المراحل الابتدائية والإعدادية، وعملوا في قطاع البنوك التجارية، ونجحوا نجاحاً باهراً، وازداد التعمين في قطاع المصارف، ويقدر الآن بحوالي 99% من العمانيين، بعدما كان هذا القطاع في غالبيته من الوافدين؛ فالشباب المسرَّحون الآن من بعض شركات قطاع الخاص يستطيعون في هذه القطاعات الأهلية أن يحققوا الإحلال، واللغة ليست عائقاً أبداً؛ فالظروف الراهنة تستحق الاصطفاف الوطني واحتياجاته. ومن هنا فقضية المسرحين تستحق هذه الوقفة، وهي وقفة إنسانية أيضاً في هذا الظرف الراهن، وأرى أنَّ قضية تعريب المعاملات في هذا القطاع، أصبحت ضرورية في هذه الشركات والمؤسسات، وأن تتطلب لغة أجنبية في بعض القطاعات، فإن الكثير من شبابنا عندهم القدرة على التعامل مع هذه اللغة الأجنبية، لكن في مجالات بعينها، لكن تبقى اللغة العربية هي اللغة السائدة الرسمية التي يجب أن تُفرض، ويتم التعامل بها في هذا القطاع، قد يقُول البعض إنَّ تطبيق اللغات الأجنبية في قطاعات أهلية عمانية، سببها أن راتب الوافد أقل من رواتب العمانيين في أغلب القطاع الأهلي، وهذا هو الذي جعل القطاع الخاص يزيد من العمالة الوافدة، وإن صح هذا أو لم يصح، فيبقى أن ابن البلد أحق بالفرص المتاحة له في وطنه، حتى لا يضطر للاغتراب، ولا نريد أن نستذكر الغربة القسرية المؤلمة قبل عام 1970، عندما اضطر عشرات آلاف للهجرة إلى الدول المجاورة، التي تحدث عنها البعض في الروايات والمذكرات، وقرأنا عنها الكثير منذ عدة عقود ولا تزال.

فالأمر الذي تودُّ طرحه في هذا المقال أنَّ الشباب العماني المسرح من بعض الشركات والمؤسسات بصورة قسرية، يحتاج إلى وقفة حازمة وسريعة، من جهات الاختصاص في الدولة، وإلى نظرة وطنية من القطاع الخاص، لا يتقدم المال على غيرها من الحسابات، وهذا ما نتمناه.