في دراسة اقتصادية لباحثين عمانيين

3 إجراءات عاجلة لمواجهة تداعيات "كورونا": تعزيز السيولة ومراجعة الضرائب وتفعيل "الأمان الوظيفي"

...
...
...
...
...

 

  • انخفاض سعر النفط يُؤثر على جملة الإيرادات الحكومية ويزيد حجم العجز والدين العام
  • الموارد المادية والبشرية ستتقلص من حيث الكفاءة أو إمكانية الاستخدام

 

الرؤية - أحمد الجهوري

صدرت دراسة عُمانية حديثة بعنوان "تأثيرات كوفيد-19 على الاقتصاد والتخطيط والعمل في فترات عدم اليقين والأزمات غير المعروف نهايتها"، أعدها الدكتور سعيد بن محمد الصقري رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العُمانية ومحمود بن سخي البلوشي عضو الجمعية الاقتصادية العُمانية، وتعد الأولى من نوعها في هذا الشأن.

وتناولت الدراسة عددا من المواضيع المهمة حول تأثير انتشار الفيروس على الأسواق العالمية، ونمو الاقتصاد العالمي وأسعار النفط، وتأثير تفشي وباء فيروس كرونا على أسواق المال وسوق العمل، وتأثير تفشي وباء الفيروس على السلطنة، والحلول الاقتصادية للتصدي لآثار الفيروس، والحلول الإدارية: التخطيط والعمل في فترات عدم اليقين والأزمات غير المعروف نهايتها.

وبدأت الدراسة بتوضيح تأثير انتشار الفيروس على الأسواق العالمية فذكرت أن مؤشرات نيكي الياباني وداو جونز الصناعي الأمريكي والفوتسي 100 البريطاني شهدت تراجعات كبيرة منذ بدء تفشي فيروس كرونا في وهان الصينية في بداية يناير من هذا العام بلغت -27.2%، -36.1%، -34.5%، على التوالي.

وفيما يتعلق بنمو الاقتصاد العالمي، ذكرت الدراسة أنَّ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)  توقعت أن يُقلل تفشي مرض فيروس كورونا من نمو الاقتصاد العالمي من 2.9% إلى 2.4%، ونمو الاقتصاد الصيني من 6.1% إلى 4.9%، وستشهد معظم الاقتصادات العالمية انخفاضاً في نموها في هذا العام 2020م.

أما أسعار النفط، فقد انخفضت منذ تفشي وباء فيروس كرونا ولعدم اتفاق دول منظمة أوبك وروسيا على خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط، حيث انخفضت أسعار نفط برنت من 68.9 دولار للبرميل في 6 يناير 2020م إلى 27.6 دولار للبرميل في 23 مارس 2020م.

وقدرت منظمة الإسكوا أن تبلغ خسائر الدول العربية المصدرة للنفط من الإيرادات النفطية حوالي 11 مليار دولار أمريكي منذ تفشي وباء فيروس كرونا وحتى نهاية مارس 2020م وإذا استمرت أسعار النفط على ما هي عليه الآن ستبلغ الخسائر اليومية للدول العربية المصدرة للنفط 550 مليون دولار أمريكي. وأن تبلغ الخسائر الاقتصادية للدول العربية هذا العام حوالي 42 مليار دولار أمريكي.

أما عن تأثير تفشي وباء فيروس كورونا على أسواق المال وسوق العمل، فقدرت منظمة الإسكوا أن تبلغ خسائر رأس مال الأسواق العربية (بقيمة السوق) خلال ديسمبر 2019 ومارس 2020 حوالي 420 مليار دولار. ومن المقدر أن يفقد حوالي 1.7 مليون موظف وظائفهم هذا العام وأن تزداد نسبة البطالة بحوالي 1.2.%

 

تأثير الوباء على السلطنة

 

وتوقع الباحثان أن يتأثر اقتصاد السلطنة بسبب تفشي فيروس كورونا نتيجة الانخفاض المتوقع لنمو الاقتصاد العالمي والاقتصاد الصيني، ونتيجة انخفاض أسعار النفط، وتعطل التبادل التجاري. وسيتأثر الأداء الاقتصادي العماني بسبب انخفاض أسعار النفط نتيجة تفشي فيروس كورونا، حيث تشكل القيمة المضافة للأنشطة النفطية أهمية كبيرة في الاقتصاد، كما تمثل الإيرادات النفطية أهم مصادر الدخل الحكومي، وبالتالي انخفاض سعر النفط سيؤثر على جملة الإيرادات الحكومية ويزيد من حجم العجز والدين العام. ومن المقدر أن تبلغ الخسائر جراء الإيرادات النفطية اليومية للسلطنة حوالي 5 ملايين دولار.

كما من المتوقع أن يتراجع التبادل التجاري العالمي بنسبة 1.4% في النصف الأول من عام 2020م وبنسبة 0.9% في العام ككل. ونقلت العديد من وكالات الأنباء عن تعطـل التبادل التجاري بسبب تفشي وباء فيروس كورونا. فذكرت، على سبيـل المثال، الفايننشال تايمز أن صادرات الصين تراجعت بنسبة 17.2% في شهري يناير وفبراير من هذا العام، وسجلت عجزا تجارياً قدره 7.1 مليار دولار خلال نفس الفترة. ويشكل التبادل التجاري أهمية كبيرة مع الصين، وعليه ستتأثر صادرات السلطنة من النفط الخام إلى الصين وفي المقابل ستتعطل الواردات الصينية.

وأوضح الباحثان أنَّه على المدى القصير، على البنوك المركزية تعزيز مستوى السيولة، وعلى الحكومات دعم الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال إعادة النظر في الضرائب والنظر في تأجيل سداد قروضها، أو حتى دعم أجور موظفيها. كما ينبغي تعزيز نظم الحماية الاجتماعية من خلال تعزيز دور صندوق الأمان الوظيفي الذي أعلن عنه صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله- والنظر في تمديد آجال سداد القروض الشخصية وتخفيض الرسوم الحكومية.

وقد تعهدت دول المجلس بأكثر من 120 مليار دولار لمساعدة اقتصاداتها لمكافحة تداعيات تأثير فيروس كورنا،COVID-19.  فكشفت السلطنة عن إجراءات تحفيز تبلغ قيمتها 20.8 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد في التغلب على تحديات وباء الفيروس وانخفاض أسعار النفط. وتهدف الحزمة إلى توفير سيولة إضافية للشركات والمؤسسات. بالإضافة إلى ذلك رفع البنك المركزي نسبة التمويل للمقرضين من 87.5% إلى 92.5% وأعلن عن خفض الرسوم المتعلقة بالخدمات المصرفية.

وتعهدت الإمارات العربية المتحدة عن إجراءات تحفيز تبلغ قيمتها 34.3 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد. وكشفت المملكة العربية السعودية عن إجراءات تحفيز تبلغ قيمتها 32 مليار دولار لدعم الأنشطة الاقتصادية. وكشفت دولة قطر عن إجراءات تحفيز تبلغ قيمتها 20.6 مليار دولار، إلى جانب حزم إعفاءات ضريبية وجمركية. وتعهدت مملكة البحرين عن إجراءات تحفيز تبلغ قيمتها 11.4 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد في التغلب على تحديات وباء الفيروس وانخفاض أسعار النفط.

وتتضمن الحزمة مشروع قانون يتعلق بدفع رواتب جميع موظفي القطاع الخاص من صندوق البطالة لمدة ثلاثة أشهر. كما قامت المملكة بمضاعفة صندوق السيولة لديها إلى 532 مليون دولار. ووافقت الحكومة الكويتية على مشروع قانون بتمويل إضافي بقيمة 1.5 مليون دينار كويتي للوزارات لمكافحة تأثير الفيروس. كما قام البنك المركزي بتخفيض سعر الخصم إلى 1.5% من 2.5%. كما تم الإعلان عن صندوق بقيمة 32 مليون دولار ممول من البنوك الكويتية لمكافحة الفيروس.

 

حلول إدارية مقترحة

وأضاف الباحثان أنَّ التخطيط والعمل خلال فترات عدم اليقين والأزمات تعتبر من الأمور الهامة جدا والعاجلة، وتزيد أهميتها خاصة خلال الأزمات الخطيرة والتي تتسم بصعوبة التنبؤ وتوقع الغد ومدة استمراريتها وتأثيراتها السلبية مثل جائحة كوفيد-19 المستجد والتي تعاني منها جميع دول العالم بل البشرية جمعاء، ومما يضاعف خطورتها الكبيرة صعوبة توقع المستقبل بأي قدر من الوضوح. إذن نحن نواجه حالة خاصة جدا ولمواجهتها والتعامل معها نحتاج إلى حلول مختلفة تماماً والعديد من القرارات والإجراءات ستكون الأولى من نوعها، حيث إن تأثيرات فيروس كورونا على شتى مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية جاءت بسرعة كبيرة وفي زمن قصير جدًا.

ودعا الباحثان لأن تكون الاستراتيجية التي يجري من خلالها التعامل مع تأثيرات كوفيد-19 معتمدة على العوامل الأساسية للبقاء والنمو، مع الأخذ بقرارات جريئة وسريعة في التعامل مع الأزمة، وفي نفس الوقت وجود نظرة وأهمية قصوى للاستثمار فيما يراد أن يكون عليه المستقبل، لأنه في كثير من الحالات يتم تجاهل هذه الجانب أثناء تعاملنا مع الحدث العاجل والهام. ولتحديد نوعية القرارات والإجراءات والاستراتيجيات نحتاج إلى فرق تتمتع بعقول متنوعة تمتاز بالقدرة الفائقة على تحليل الأزمة والتعامل معها، وعقول تتميز بالإبداع والنظرة المستقبلية والخبرة على تحليل التفاصيل وآثار القرارات والإجراءات التي قد تغيب أثناء الانشغال بالأزمة. ولا شك أنه في فترات الأزمات يأتي المربع (1-هام وعاجل) في الأولوية القصوى من ناحية الوقت والأنشطة التي يجب تخصيصها للتعامل مع معطيات الأزمة وحالة عدم اليقين.

وفي أزمة الوباء العالمي لفيروس كورونا-19 المستجد، فإنَّ الحالة تستدعي أن تعمل جميع الدول وفق المربع (1-هام وعاجل)، وهو التعامل مع الوباء بشكل عاجل لأهمية العواقب، لكن بدون إغفال أهمية المربع رقم (2) هام وغير عاجل، وهذا ما تقوم به الحكومات ذات الكفاءة والقدرات العالية، فهي تتعامل مع الوضع العاجل والهام، لكن لا تفقد بوصلة مستقبل فتكون جميع الإجراءات المستعجلة موردا وداعما للخطط المُستقبلية.

كما أن العمل في المربعات (3-عاجل وغير هام) و(4-غير عاجل وغير هام) يشير إلى عدم القدرة على إدراك المخاطر المحيطة فيتم الاشتغال بما هو أقل أهمية أو غير العاجل نظرًا لسهولة العمل بهما. وحسب توزيع المفكر المعروف إستيفن كوفي في كتابه "العادات السبع للناس أكثر فعالية"، يقول إن معظم الناس يعملون في المربعين (1-عاجل وهام) والمربع (4-غير هام وغير عاجل)، أي معظم حياتهم حوالي 90% في الأمور العاجلة والهامة، والبقية حوالي 10% في المربع (4-غير هام وغير عاجل) الذين يقضون حياتهم في الأمور غير الهامة وغير العاجلة. والبقية القليلة جدا تجدهم في المربعين (2-هام وغير عاجل) و(3-عاجل وغير هام) أي في الأمور الهامة وغير العاجلة وفي الأمور العاجلة ولكن غير المهمة.

لذلك فإن المشكلة ليست في التعامل مع الأنشطة والأعمال ذات الخاصية (العاجل والهام) مع مثل هذه الأزمات بل تكمن المشكلة في التركيز عليها وعدم الاهتمام بما سيأتي بعدها.  فحسب التجارب فإن كثيرا من الدول تتعامل مع الأزمات وتركز عليها حسب المربع (1-هام وعاجل) وتستمر في التركيز عليها، ولا تجد نفسها إلا وهي في مواجهة أزمة عاجلة وهامة أخرى، وهكذا. فهناك أزمات مثل الباحثين عن عمل وهناك أزمات مثل ضعف الاقتصاد والاعتماد على مورد واحد، وهناك أزمات مثل انخفاض سعر النفط وظهور موارد طاقة منافسة، وهناك أزمات مثل ضعف مخرجات التعليم ومعرفة نوعية المخرجات المطلوبة للمستقبل، وهناك أزمات ضعف الإنتاجية، وغيرها الكثير.

وفي الدول الواقعة في هذه الأزمة غير المتوقعة وغير المعهودة من حيث الخطورة والعواقب والاستمرارية، على أصحاب القرار والمخططين العمل على المربع رقم (1-هام وعاجل) والمربع (2-هام وغير عاجل) فقط وبشكل متكامل ومتوازٍ. أي أن أي إجراء يتعلق بالمربع (1) يجب أن يحظى بمراجعة من فريق المربع (2) من حيث الاستدامة والتأثير المستقبلي الإيجابي لتحقيق أكبر قدر ممكن من النتائج الإيجابية السريعة مع الاستفادة منها في تحقيق أكبر قدر من النتائج الإيجابية طويلة المدى وبما يحقق الرؤية التي يتم التخطيط لتحقيقها.

وخلال فترة العمل وفق المربع (1-هام وعاجل) أي التعامل العاجل مع الأزمة، فإنَّ التعامل معها يشمل الأمور التالية: الاهتمام بتحقيق أكبر قدر من النتائج الإيجابية وبأقل تكلفة، واتخاذ قرارات وإجراءات تكون سهلة ومرنة في تغييرها وتعديلها حسب متطلبات المرحلة وردود الفعل خاصة عند التعامل مع أزمة لا يُمكن التنبؤ بحجمها أو فترة استمراريتها ولا بحجم تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي. وهذا ما يجب العمل عليه لتحقيق أفضل النتائج في المدى القريب والسريع وبأقل الموارد.

وأثناء القيام بهذه الأمور، على الدول تخصيص فريق مختص بالعمل في المربع (2-هام وغير عاجل) في عمل متوازٍ مع فريق العمل في المربع (1-هام وعاجل) ومراجعة قراراته وإجراءاته بحيث تكون جزءًا من التخطيط المستقبلي لتحقيق أفضل النتائج في المدى المتوسط والبعيد. وعلى أصحاب القرار ضرورة الانتباه إلى خطورة الوقوع في المربع (3-عاجل وغير هام) حيث إنه كثيرا ما يحدث أن يقع أصحاب القرار في فخ أن الأمور العاجلة كلها مهمة في هذه الفترة وهي التي سوف تستنزف الموارد في الوقت الذي تكون الدولة فيه بأمس الحاجة إلى كل مورد وطاقة للتعامل مع الأزمة كأزمة فيروس كورونا الحالية.

وخلال هذه الفترة (وغيرها من فترات الأزمات) على متخذي القرار الإدراك أن الموارد ستتقلص سواء المادية أو البشرية من حيث الكفاءة أو إمكانية الاستخدام، لذا عليه عند العمل وفق المربع (1-هام وعاجل) الاستفادة القصوى من الموارد البشرية والمادية والوقت، وفي ذات الوقت تعمل القيادات العليا على المربع (2-هام وغير عاجل) حيث تعمل على كيفية تنمية الاستفادة من الموارد البشرية والمادية في المستقبل القريب والبعيد. وبذلك يتم الخروج من الأزمة والبلاد بحالة أقوى وقادرة على النمو السريع.

 

تعليق عبر الفيس بوك