كورونا.. وما بعد كورونا

خلفان الطوقي

 

تُعتبر جائحة كورونا لمن لا يعلم أنَّها أعظم أزمة وأشد ألماً مرت خلال ١٠٠ عام أو أكثر، فهي كما يصفها الخبراء أن تبعاتها ستكون أكثر بكثير من الكساد العظيم في عام ١٩٢٨م أو أحداث 11/9 أو الأزمة المالية في ٢٠٠٧م، وغيرها من الأزمات التي حلت بالعالم، ووصفت بذلك لأنَّ نزيفها مستمر ولم يتوقف، ولم يستطع دهاة المحللين أو أقوى بيوت الخبرة العالمية أن يتوقعوا إلى هذه اللحظة متى سوف يتوقف هذا النزيف؟ وماذا سوف يخلف من وراءه من تبعات قاسية ومُؤلمة؟

عُمان ليست بمعزلٍ عن هذا العالم، فمنذ البداية بادرت وشكلت اللجنة العُليا للتعامل مع مستجدات جائحة كورونا، والكل يشاهد أنها تعمل بشكل تصاعدي، تارة برفع وتيرة القرارات، وتارة أخرى من خلال زيادة جرعة التوعية، وقبل عدة أيام تمَّ إقرار تكوين الصندوق الوقفي الصحي الذي تشرف عليه وزارة الصحة، ومن ناحية أخرى تفاعل الجهات الحكومية الأخرى كالبنك المركزي العُماني والهيئة العامة للمناطق الصناعية ووزارة القوى العاملة والهيئة العامة لسوق المال وغيرها من خلال إصدار قرارات ومبادرات هدفها تحفيز القطاعات التجارية وإيقاف النزيف قدر الإمكان وبث الطمأنينة بين النَّاس وخاصة الفئة المُتضررة مصالحها بشكل مباشر، لكن يبقى التساؤل عن المتضررين بشكل غير مُباشر وباقي سلسلة المنظومة؟

ولتوضيح فكرة "سلسلة المنظومة"يمكن أن نأتي بمثال لتقريب الفكرة: فعلى سبيل المثال صاحب أو أصحاب مدرسة خاصة، تعطلت مدرستهم بناءً على قرار استثنائي بإيقاف الدراسة، ولديه عدد من الموظفين ولديه قرض كبير من البنك، بالإضافة إلى مصاريف أخرى متعددة، وينتظر دفعات من أولياء الأمور، وأولياء الأمور يتحججون بأن أولادنا وبناتنا في البيت، والموظف ينتظر راتبه ليقسم جزءا منه للإيجار، وجزءا لمصاريف الأكل وغيرها من المصاريف الحياتية، صاحب العمل يتحجج ويرد عليه كيف أعطيك الراتب بدون الحصول على الدفعات من أولياء الأمور، فيذهب الموظف إلى صاحب العقار، ويُخبره بأن يقبل أن يعفيه من الإيجار بسبب الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وصاحب العقار يرد عليه، ومن سوف يدفع الأقساط المستحقة عليَّ من البنك، والبنك يرد بأنَّ البنك هو شركة مساهمة عامة وملاكها هم أفراد يزيد عددهم عن ٧٠٠٠ ألف شخص، وهؤلاء استثمروا أموالهم وينتظرون  مني أرباحهم ولدي كبنك التزامات مع جهات قارضة لي واحتاج إلى تدفقات نقدية، وهلم جرا بالنسبة لباقي القطاعات التجارية، ويمكن تطبيق هذا المثال على باقي الأنشطة التجارية الخدمية والصناعية والزراعية وغيرها.

ما الحل إذا؟ هل الحل يكمن في الأفراد ويكون بالتراضي فيما بين الطرفين صاحب العمل بغض النظر عن طبيعته والمستفيد سواء مستأجرا أو موظفا؟ أو يكون من خلال الأحكام القضائية والمحاكم؟ أو من خلال "الدولة" من خلال الاستعداد لمختلف السيناريوهات الأشد ألماً وقسوة التي قد تحدث لمختلف القطاعات، وإعداد كل جهة حكومية للخطط التنفيذية "التدخل المبكر" اللازمة لتخفيف تبعات "كورونا"، وإبراز ما هي مساهماته الملموسة سواء كان "ضخ مالي" أو "إعفاءات ضريبية أو خدمية" أو "تقديم خدمات" أو تقديم حلول مرضية لكل أطراف العلاقة.

تبعات مؤلمة ومتوقعة سوف تطال الجميع بدرجات متفاوتة من الفرد والمؤسسة التجارية والدولة شئنا أم أبينا، وبكل تأكيد سوف تتغير أنماط حياتية سابقة، وعلينا التهيئة لقرارات قاسية لم نعتد عليها من قبل، والحل يكمن في عدم الاستسلام من ناحية أو المكابرة من ناحية أخرى، بل الحل يفرض علينا التأقلم مع أوضاع جديدة، والتخطيط الاستباقي الممنهج لتقليل تبعات هذه اللازمة المؤلمة قدر الإمكان، والتضحية من الجميع لمواجهة "كورونا" والاستعداد المُبكر لما بعد "كورونا".