كورونا والمسجد وأبي

سالم بن نجيم البادي

يحنُ قلب أبي إلى المسجد القريب جدًا من بيتنا الذي أصبح نائياً منذ أن جاء كورونا، يشتاق أبي إلى المسجد، ويفتقد قلب أبي سكينة المسجد الزاحف إليه بروحه حتى وقت المرض والبرد والمطر.

"المسجد المسجد"، يقول أبي لا شيء مثل الصلاة تشفي الفؤاد، تفرح النفس، تداوي الأسقام، وتعالج وهن السنوات الطوال، أحث السير نحو المسجد إذا كان أبي برفقتي في السفر، أعلم أنَّ قلب أبي يهفو إلى المسجد، يذهب أبي إلى المسجد قبل الفجر بساعة، ويبقى حتى صلاة الضحى ومن المغرب حتى العشاء، المسجد المسجد وصوت أبي يؤذن إن غاب المؤذن.

أبي في المسجد وروحه في المسجد، ويعود إلى المسجد من مزرعته، ومن عند جماله وأغنامه، ومشاويره، كورونا أنت من خلق الله وجند من جنوده، وأبي هذا الرجل التقي الصائم ستة أشهر في السنة، ثلاثة أيام من كل شهر، والعشر الأواخر من ذي الحجة، ورمضان، وستة أيام التي بعد رمضان، والإثنين والخميس، يفطر في المسجد، ويبقى في المسجد طويلا، لا شيء يكسر قلب أبي مثل الحيلولة بينه وبين المسجد، وقد اعتاد أبي أن يصدح بنصائحه الحازمة للشاب المتأخر عن الصلاة، والرجل المستعجل للخروج من المسجد، والرجل الذي ينقر في صلاته نقر الديك، أبي ينصح وهو غير مبالٍ بتبرم أحد.

المسجد عالمه وحياته وقرة عينه، أبي يكنس المسجد، ويبحث عن مال من عند أصحابه القدامى لترميم المسجد وخدمة المسجد... المسجد... المسجد ... الصلاة ...الصلاة ياولدي وأشقى الآن أنا حين يصر علي أن أصلي به جماعة وأنا المعتاد على فوضى المواعيد وإضاعة الوقت وأبي يُريدني نسخة منه وأنا العصي على النسخ وأخجل أن اعترف أني أحفظ سور قليلة وهو يفترض أنني أحفظ القرآن كله وأنا خريج الشريعة والقانون شغلتني الحياة والأسفار والأدب وغرقت في لجة الروايات والقصص والشعر ومنذ زمن كورونا وحزن أبي عميق وقد غلبه هم فقدان المسجد وقبل كورونا كان يردد الأهازيج وقد اشتاق إلى صباه ناعيا قوته وشبابه وتدمع عيناه حين يرى في التلفاز الحرم المكي خالياً من الزوار وهو الذي حج واعتمر عشرات المرات وتراوده فكرة أنّ القيامة قرُب موعدها ويداري دموعه كلما سمع المؤذن يصيح صلوا في رحالكم.

كورونا وسجادة أبي الوحيدة وهي مطوية في زاوية المسجد وطائر الحمام الذي يحط فوق مئذنة المسجد يفتقد أبي وأبي يفتقده والمصاحف التي يمسح عليها بيده وقلبه ثم يضمها إلى صدره بدأ الغبار يغشاها والنوافذ في المسجد تسأل عن أبي يفتحها لتمر من خلالها ريح الطمأنينة والمجمر الذي كان يبخر المسجد لا جمر فيه ينفث رائحة اللبان الزكية.

كورونا أيها المتغطرس نستعين بالله القوي القاهر عليك لترحل حتى تفتح أبواب المساجد والحياة.