عالم ما بعد الفيروس التاجي

"فايننشال تايمز": عاصفة "كورونا" ستمُر.. وحياتنا ستتغير لسنوات مقبلة

ترجمة- رنا عبدالحكيم

تواجه البشرية الآن أزمة عالمية، هي الأكبر في جلينا، ومن المحتمل أن تشكل القرارات التي يتخذها الأفراد والحكومات في الأسابيع القليلة المقبلة العالم لسنوات قادمة، ولن يشكلوا فقط أنظمة الرعاية الصحية لدينا ولكن أيضًا تشكيل اقتصادنا وسياستنا وثقافتنا، ويجب علينا أن نتصرف بسرعة وحسم.

وفي مقال للكاتب يوفال نوح هراري، بصحيفة " فايننشال تايمز" قال :"يجب أن نأخذ بعين الاعتبار العواقب طويلة المدى لأعمالنا عند الاختيار بين البدائل، يجب أن نسأل أنفسنا ليس فقط كيفية التغلب على التهديد المباشر، ولكن أيضًا أي نوع من العالم سنعيش فيه بمجرد مرور العاصفة نعم، ستمر العاصفة، ستبقى البشرية على قيد الحياة، سيظل معظمنا على قيد الحياة، لكننا سنعيش في عالم مختلف".

وأضاف هراري:"ستصبح العديد من تدابير الطوارئ قصيرة الأجل من عناصر الحياة، هذه هي طبيعة حالات الطوارئ، أنها تقدم العمليات التاريخية بسرعة، والقرارات التي في الأوقات العادية يمكن أن تستغرق سنوات من المداولات يتم تمريرها في غضون ساعات، ويتم دفع التقنيات غير الناضجة وحتى الخطرة في الخدمة، لأنّ مخاطر عدم القيام بأي شيء أكبر، وماذا يحدث عندما يعمل الجميع من المنزل ويتواصلون عن بعد فقط؟ ماذا يحدث عندما تتصل المدارس والجامعات بأكملها بالإنترنت؟ في الأوقات العادية، لن توافق الحكومات والشركات والمجالس التعليمية على إجراء مثل هذه التجارب. لكن هذه الأوقات ليست عادية".

وتابع الكاتب في مقال:"في وقت الأزمة هذا، نواجه خيارين مهمين بشكل خاص. الأول بين المراقبة الشمولية وتمكين المواطنين. والثاني هو بين العزلة القومية والتضامن العالمي، من أجل وقف الوباء، يجب على جميع السكان الامتثال لمبادئ توجيهية معينة. هناك طريقتان رئيسيتان لتحقيق ذلك. إحدى الطرق هي أن تراقب الحكومة الأفراد، وتعاقب أولئك الذين يخالفون القواعد. اليوم، ولأول مرة في تاريخ البشرية، تتيح التكنولوجيا مراقبة الجميع طوال الوقت".

وأشار هراري، إلى أن الحكومة استخدمت أدوات مراقبة جديدة في معركتها ضد كورونا وأبرزها الصين، التي راقبت الهواتف الذكية للأشخاص عن كثب، واستفادت من مئات الملايين من كاميرات التعرف على الوجوه، وإلزام الأشخاص بفحص درجة حرارة أجسامهم وحالتهم الطبية والإبلاغ عنها، لا يمكن للسلطات الصينية أن تحدد فقط حاملي الفيروس التاجي المشتبه بهم، ولكن أيضًا تتبع تحركاتهم والتعرف على أي شخص اتصلوا به. وتحذر مجموعة من تطبيقات الهاتف المحمول المواطنين من قربهم من المرضى المصابين".

وقال هراري:"إن مطالبة الناس بالاختيار بين الخصوصية والصحة هو في الواقع أصل المشكلة، لأن هذا خيار زائف، يمكننا وينبغي أن نتمتع بالخصوصية والصحة، ويمكننا أن نختار حماية صحتنا ووقف وباء الفيروس التاجي ليس عن طريق إنشاء أنظمة مراقبة استبدادية، ولكن عن طريق تمكين المواطنين، وفي الأسابيع الأخيرة، نظمت كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة بعض أنجح الجهود لاحتواء وباء الفيروس التاجي، في حين أن هذه البلدان قد استخدمت بعض تطبيقات التتبع، فقد اعتمدت بشكل أكبر على اختبارات مكثفة، وعلى تقارير صادقة، وعلى التعاون الراغب من جمهور مطلع".

وأشار إلى أن الخيار الثاني المهم الذي نواجهه هو بين العزلة الوطنية والتضامن العالمي، وإن كلا من الوباء نفسه والأزمة الاقتصادية الناتجة عنه مشكلتان عالميتان، ولا يمكن حلهما بشكل فعال إلا من خلال التعاون العالمي، أولاً وقبل كل شيء، من أجل هزيمة الفيروس، نحتاج إلى مشاركة المعلومات عالميًا، وهذه هي الميزة الكبرى للبشر على الفيروسات.

وأضاف يوفال نوح هراري، في مقاله:"لا يمكن للفيروس التاجي في الصين والفيروس التاجي في الولايات المتحدة تبديل النصائح حول كيفية إصابة البشر، ولكن يمكن للصين أن تعلم الولايات المتحدة العديد من الدروس القيمة حول الفيروس التاجي وكيفية التعامل معه. ما يكتشفه طبيب إيطالي في ميلانو في الصباح الباكر قد ينقذ الأرواح في طهران في المساء. عندما تتردد حكومة المملكة المتحدة بين العديد من السياسات، يمكنها الحصول على المشورة من الكوريين الذين واجهوا بالفعل معضلة مماثلة قبل شهر. ولكن لكي يحدث هذا، نحتاج إلى روح من التعاون والثقة العالميين".

وأكد أن هناك حاجة حيوية للتعاون العالمي على الصعيد الاقتصادي أيضًا. بالنظر إلى الطبيعة العالمية للاقتصاد وسلاسل التوري، إذا قامت كل حكومة بعملها الخاص في تجاهل تام للحكومات الأخرى، فستكون النتيجة فوضى وأزمة عميقة. نحن بحاجة إلى خطة عمل عالمية، ونحتاج إليها بسرعة.

واختتم مقاله قائلا:" تحتاج البشرية إلى الاختيار. هل نسير في طريق الانقسام، أم سنتبنى طريق التضامن العالمي؟ إذا اخترنا الانقسام، فلن يؤدي ذلك إلى إطالة أمد الأزمة فحسب، بل سيؤدي على الأرجح إلى كوارث أسوأ في المستقبل. إذا اخترنا التضامن العالمي، فسيكون هذا النصر ليس فقط ضد الفيروس التاجي، ولكن ضد جميع الأوبئة والأزمات المستقبلية التي قد تهاجم البشرية في القرن الحادي والعشرين".

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة