محمد البادي
رغم أننا على أعتاب انقضاء الشهر الرابع من الإعلان الرسمي لظهور فيروس كورونا (كوفيد 19) وتحديداً من الصين، إلا أنَّ العلم لا يزال ـ حتى اللحظة ـ عاجزاً عن التوصل إلى لقاح فعّال للعلاج منه.
ولا شك أنَّ التاريخ سوف يُسجل، أن العالم بأسره، بقوته وجبروته، بعدته وعتاده، بعلمه وعلمائه، بتقدمه ونمائه، يقف اليوم عاجزاً ضعيفاً، منكسراً ذليلاً أمام هذا الكائن الدقيق، لا يعرف مصدره ولا منشأه ولا مسبباته، ولا يعرف طرق انتشاره بين النَّاس، ولم يهتدِ إلى وسيلة الوقاية منه، لذلك تبقى التوصيات باتباع الإرشادات والتعليمات الصادرة من المؤسسات الصحية للحد من انتشار العدوى هي الملاذ الوحيد والآمن حتى الآن.
والسلطنة - كغيرها من دول العالم - تعاملت مع هذه الجائحة العالمية بقدرٍ عالٍ من الجدية والمسؤولية، ففي وقتٍ سابقٍ تفضل مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بإصدار أوامره السامية بتشكيل لجنةٍ عليا تتولى بحث آلية التعامل مع التطورات الناجمة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، وذلك في ضوء المعطيات والمؤشرات الصحية المستجدة وما يصدر عن منظمة الصحة العالمية في هذا الشأن، على أن تتولى هذه اللجنة رصد جميع تطورات هذا الوباء، ومُراقبة الجهود المبذولة إقليمياً وعالمياً للتصدي له ومتابعة الإجراءات المتبعة في هذا الشأن، ووضع الحلول والمقترحات والتوصيات المناسبة بناءً على التقييم الصحي العام.
لقد قامت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناجمة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) بجهودٍ كبيرةٍ من خلال اتخاذ عدة خطوات وإجراءات وقائية واحترازية للحد من انتشار هذا الفيروس في السلطنة، ولعل أبرزها إصدار قرار يقضي بتعليق الدراسة في كافة المؤسسات التعليمية في السلطنة لمدة شهر كامل، وهي بلا شك خطوة احترازية وقائية من هذا الوباء، كما إنها - من جانبٍ آخرٍ - تُعد فرصة للطلبة لإعادة خططهم لتطوير ذواتهم من خلال ممارسة بعض الأنشطة التعليمية كحفظ القرآن الكريم، أو قراءة كتاب معين، أو اتقان مهارة، فاغتنموا هذا الشهر، وضعوا الخطط المناسبة لتحقيق أهدافكم، وستحمدون العاقبة.
إنَّ الوضع الذي تعيشه السلطنة في الوقت الراهن يعتبر فرصة ثمينة لخدمة هذا الوطن، وذلك من خلال المساعدة على الحد من انتشار هذا الوباء، فالواجب علينا كمواطنين حريصين على أمن هذا الوطن، وسلامة جميع قاطنيه من مُواطنين ومقيمين من الإصابة بهذا الوباء، الحرص التام على استعمال وسائل الوقاية منه وتجنب الاختلاط والزحام، بالإضافة إلى ضرورة الالتزام بالبقاء في المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، مع اتباع الإرشادات الصحية في النظافة الشخصية والتعامل مع الآخرين ومع الأشياء الأخرى بحذرٍ تامٍ، وأن نبقى رهن إشارة المؤسسة الصحية لضمان الصحة العامة للجميع، ولمجتمع خالٍ من فيروس كورونا، الذي يحبس أنفاس العالم بأسره، ولم يفرق بين دول متقدمة ونامية.
ربما نرى في الأيام القليلة القادمة قراراً آخر، لا يقل أهميةً عن قرار تعليق الدراسة في كافة المؤسسات التعليمية، يصدر من اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناجمة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، يقضي بإغلاق كافة المنافذ الحدودية، باختلاف مسمياتها (البرية والبحرية والجوية) لفترةٍ مؤقتةٍ لمنع تسلل العدوى من بلدان أخرى مصابة، وكما قيل، من المحن تتولد المنح، فهذا الإجراء الاحترازي وإن حدث، لا شك أنَّه سيمثل فرصة ثمينة لكي نعتمد على أنفسنا اعتماداً ذاتياً، من خلال العناية بالموانئ والمطارات والأسواق وتطويرها بالشكل الأمثل، وتوفير جميع السلع والبضائع، وكل حاجات ومستلزمات حياتنا اليومية، وربما بأسعار تنافسية.
لقد أكدت الأيام أنَّ الأوطان لا تتجاوز الأزمات إلا بتكاتف الشعب والسلطة، ولقد أثبت هذا الوطن ريادته في إدارة الأزمات، وهذا ما بينته الأحداث السابقة التي تعلمونها جميعاً، والتي لا مجال لسرد تفاصيلها من خلال هذا المقال، لذلك ينبغي علينا التكاتف والتعاون في هذا الشأن، كما يجب على كل رب عائلة أن يحافظ على اتباع الإرشادات الصحية والوقائية للمساهمة في الحد من انتشار هذا الفيروس.
نسأل الله تعالى أن يكلأ عُمان الحبيبة بعين رعايته وعنايته وأن يدفع عنها كل سوءٍ ومكروهٍ.