الفكاهة.. في زمن الكورونا!

 

 

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

(السُّخرية ليست تنكيتًا ساذجًا فقط، لكنها نوع من التحايل العميق، وهذا ما يجعل هناك فارقًا بين "النكتجي" و"الكاتب الساخر"؛ فالأول يشبه "الحنطور"، بينما يشبه الثاني "الطائرة") - أحمد رجب

 

في أي أزمة قد ينقلب الشعور الإنساني إلى إحساس مُتغيِّر، تتبدل فيه حالة الفزع والخوف إلى فكاهة وضحك، وكأنَّ الوضع في خانة اللامبالاه!

وبالطبع، وسائل التواصل الاجتماعي ساحة خصبة لنشر الشائعات، والتوقعات التي هي غالبا "توقعات ما انزل الله بها من سلطان، وكذلك تنتشر الفكاهات ويكون للنكتة دورها العميق"، خصوصا إن كان معناها يلامس المخاوف ويفسر التوجهات النفسية للعامة، ومما وصلني: هذه النكتة التي تعبر بشفافية عن الخوف الكامن في النفوس، وتأثير كورونا: "اليوم دخل في البنك اثنين لابسين كمامات، الناس خافت، لكن لما عرفوا إنهم حرامية ارتاحوا"!!

ماذا نفهم من النكتة المذكورة ؟

أظن أنَّ صياغتها توحِي بمعانٍ عميقة وذكية، ومن قلب الحدث؛ حيث تبين كيف وصلت درجة الهلع من الفيروس لدرجة أن "الحرامية" لم تعد خطورتهم تمثل هاجسا، رغم الخوف؛ حيث أصبحت درجة الخوف من الفيروس أعلى من درجة الخوف من اقتحام بنك ومن حرامية يلبسون الكمامات!

أيضا.. سأورد نكتة أخرى لا تقل طَرَافة عمَّا ذكرت؛ وهي بما معناه (بتصرف): "أحدهم يسأل طبيب: دكتور، ما الذي يجب عليَّ أكله حتى أستطيع تقوية المناعة؟ يرد عليه الطبيب بغضب: أكل تبن، وأنثبر بالبيت، ولا تطلع بره إلا للضرورة، واللي عندنا مكفينا".

معنى هذه النكتة واضح وقد يكُون مؤلفها طبيب، نظرا لكمية التوعية بها، وإن كانت بشكل لاذع وطريف، لكنها تقدِّم تحذيرًا شديدًا بالالتزام بإجراءات الوقاية من المرض المعدِي، والتزام عدم الخروج من المنزل، أو ما يُسمَّى "الحجر المنزلي".

يقول أستاذ علم النفس بجامعة الكويت د. عدنان الشطي: قيمة النكتة أنها تتجلى في كونها انعكاسًا لرؤية داخلية تجاه أوضاع حياتية معينة؛ ففي بعض الأحيان يكون الهدف منها هو الإضحاك، والضحك في حد ذاته علاج؛ حيث يساعد المرء على التنفيس عن انفعالاته وعصبيته، على رغم من أنَّ النكتة لا تحل المشكلات، ولكنها تساعد الشخص على جعله أقل عُرضة للأمراض؛ فالشخص كثير الضحك أقل عرضة للإصابة بأمراض كثيرة مثل القلب، خاصة وكثرة الضحك تنشط عضلات الجسم، وتحدث تغيُّرات فسيولوجية عديدة كزيادة نشاط الغدد الدمعية، وسرعة التنفس، وزيادة السكر في الدم (*).

علينا أيضا الانتباه إلى أنَّ النكتة هي سلاح معنوي يستخدمه العامة وحتى المثقفين؛ وبالتأكيد أيضا السياسيين، لنشر أمر ما، أو للتنبيه عن خطر أو فساد أو غير ذلك، وأحيانا تكون النكتة أداة للتنفيس عن المجتمع بتقديم انتقادات لاذعة للنظام السياسي أو لحدث ما، أو ما شابه، ولنا في مصر أرض الكنانة أمثلة عديدة، وهي التي اشتهرت بالنكتة الساخرة عن أوضاعها، وأتذكَّر أنه مرة قرأت أنَّ الرئيس المصري الأسبق أنور السادات -رحمه الله- كان يطلب أحد المستشارين مرة كل أسبوع ليحكي له عن آخر النكات، بمعنى آخر أنَّ النكتة كانت "واتساب - تويتر" ذاك الوقت!

 

* في لقاء مع جريدة "القبس" الكويتية - 1 يونيو 2006م.