علي بن مسعود المعشني
لاشك عندي ولا عند أي عاقل على هذه الأرض العزيزة الطيبة أننا نعيش ظرفاً استثنائياً عنوانه "التحديات المالية ووباء كورونا". وهذا الظرف الاستثنائي ليس الأول ولن يكون الأخير بطبيعة الحال. العبرة في تقديري ليست في مُجرد التفكير بعبور هذه الأزمة بل في كيفية الاستفادة منها وضمان عدم تكرار وقعها علينا مُجددًا وبنفس الحِدة والآثار.
مسألة أن نُعيد ونكرر الأسطوانة المشروخة من ضرورة تعدد مصادر الدخل والتنوع الاقتصادي، وجلد الذات في إهدار فرص ارتفاع أسعار النفط فيما مضى من الوقت هو أشبه بالبكاء على اللبن المسكوب ورثاء ميت لن يعود، فما يهمنا اليوم هو الحديث بلسان المُمكنات في عهدنا الجديد بقيادة مولانا السُّلطان المُظفر هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – وكيف لنا أن نعضد جهوده ونسند نواياه الخيرة نحو عُمان الغد، عُمان الخير والتنمية والرخاء.
مشكلتنا في تقديري حين نتحدث عن مواردنا المالية نحصرها في دخول القطاعات والثروات المنتجة حاليًا، ولا ننظر إلى ما هو أبعد من ذلك وبالتالي تضيق علينا الآفاق والسُبل وخيارات المُعالجة. كنا نعيش أزمة مالية أقعدتنا عن التفكير في حلول خارج الصندوق وأنتجت بطبيعة الحال جملة من المشكلات وعلى رأسها التوظيف للباحثين عن العمل، ففاجأتنا انهيارات أسعار النفط وتلاها وباء فيروس كورونا فشكلت وضعًا طبيعيًا للمحبطين بنهاية العالم، وللعقلاء ببداية التصحيح والإصلاح، فالفاشل يفكر في المشكلة والناجح يفكر في الحل، كما قالت العرب "اشتدي يا أزمة تنفرجي" .
أول الغيث قرار مولانا المظفر السلطان هيثم بتخفيض 5% من بنود الميزانية العامة للدولة لهذا العام، وهذا معناه توفير مبلغ في حدود (645) مليون ريال عُماني وهو رقم بلا شك متواضع مقارنة بالتحديات والحلول المرجوة، ولكنها خطوة في الطريق الصحيح. وسبق هذه الخطوة أمر مولانا حفظه الله ورعاه بإنشاء صندوق الأمان الوظيفي وتبرعه بمبلغ 10 ملايين ريال عُماني من حر ماله لتأسيس الصندوق، ونحن نترقب إغلاق موازنات المصارف والشركات خلال الشهر الجاري لتساهم في الصندوق المذكور لما له من قيمة تنموية وأخلاقية على الوطن والمواطن. ثقتي بعد الله سبحانه وتعالى برجل الرؤية السلطان هيثم بن طارق بلا حدود ولا سقف، ليجعل من هذه المحنة منحة، ورؤية لعُمان المستقبل، رؤية تضع حدًا لجميع الملفات العالقة والمُرحلة منذ سنوات بلا حل جذري وتحويلها من منغصات إلى حالات عادية، وأول الغيث هو قرار جلالته بضرورة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، ومراجعة التشريعات والقوانين السارية، وهذا يعني، اللجوء إلى ملامسة مواطن المشكلة من جذورها ووضع الحلول الناجعة والدائمة لها.
فهذه الخطوة كفيلة بإعادة التفكير في الممكنات والأولويات معًا ، وبالتالي إزالة العوائق المرئية وغير المرئية للتنمية الشاملة، وتغيير أنماط التفكير ومنظومة تسيير الدولة برمتها، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على جذب الاستثمارات والتشجيع على ريادة الأعمال وبسط ثقافة المؤسسات المتوسطة والصغيرة بكل ارتياح.
الأزمة الحالية في تقديري تحتاج إلى ثلاث خطوات مهمة في المُعالجة، خطوة قصيرة وعاجلة وتتمثل في إعادة تدوير الموجود واتخاذ خطوات إجرائية على شاكلة صندوق الأمان الوظيفي وتقليص الإنفاق الحكومي وقانون الاستثمار الجديد، تليها خطوة الاستثمار المستعجل وذي العائد الفوري السريع والمتمثل في تعزيز أسطول الصيد العُماني بثلاث سفن متوسطة لرفع دخل الأسماك في الناتج القومي إلى مليار ريال سنويًا، والتعجيل بإنشاء شركة حكومية لاستقبال وتسويق المنتجات الزراعية والسمكية والحيوانية لتحسين معيشة المواطن في هذه القطاعات الإنتاجية الهامة وتوطينها، وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأفراد على ولوج هذه الأنشطة وممارستها بطمأنينة ورغبة، إضافة إلى تشجيع وتطمين المؤسسات التمويلية على رؤوس أموالها وجدوى دعمها لتلك الأنشطة دون تردد أو خوف من تعثر، يلي ذلك مراجعة إجراءات التأشيرات ورفع سقف الجنسيات المسموح بدخولها وفق رقم سنوي طموح وسقف دخل سنوي متوقع كذلك.
ثم تأتي الخطوة الثالثة والأهم وهي تنفيذ رؤية 2040 بحذافيرها وتوصياتها وقراراتها بدءًا من العام الجاري لخلق مستقبل تنموي حيوي ومستقر. وما بين تلك الخطوات لاشك أنَّ هناك تفاصيل صغيرة ولكنها مهمة وضرورية كهيكلة صناديق التقاعد وضرورة إيجاد أصول للدولة في الخارج لمواجهة هكذا عواصف مستقبلًا، ومكافحة الفساد وتشجيع القطاع الخاص على النمو والمبادرة، وهيكلة قوانين البنوك وأوضاعها ومراجعة إجراءاتها وغير ذلك الكثير.
قبل اللقاء:" الوطن سفينة بلا قوارب نجاة".
وبالشكر تدوم النعم