"فورين بوليسي": "الحرب النفطية" ليس كسابقاتها.. الألم هذه المرة أشد

ترجمة – رنا عبدالحكيم

في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية بقلم جيسون بوردوف كبير المديرين السابقين في مجلس الأمن القومي الأمريكي والمساعد الخاص للرئيس  الأمريكي السابق باراك أوباما، يرى بوردوف أنه عندما اجتمعت المملكة العربية السعودية وروسيا ودول أخرى منتجة للنفط في فيينا الأسبوع الماضي، ناقشوا من الذي يجب أن يخفض إنتاج النفط لتعويض انهيار الطلب بسبب تفشي فيروس كورونا، لكن عندما انتهى الاجتماع، كان الجواب واضحًا لدى روسيا وهو: أمريكا، هي التي يتعين عليها خفض الإنتاج.

وفي حين أن الصدمات النفطية السابقة كانت مدفوعة إما بالعرض أو الطلب، فإن انهيار أسعار عام 2020 أمر غير معتاد للغاية في تاريخ سوق النفط؛ إذ إنه ناتج عن صدمة الطلب الهائلة وتراكم العرض الضخم في نفس الوقت.

وخفضت المملكة العربية السعودية أسعار النفط الخام ووعدت بزيادة الإنتاج. وعندما بدأ التداول بأسواق النفط يوم الأحد، انخفضت الأسعار إلى النصف عما كانت عليه في أوائل يناير.

ولذا سيكون لانهيار التعاون السعودي الروسي- وما تلاه من حرب أسعار - تداعيات كبيرة.

أولاً: قرار المملكة العربية السعودية بدخول سوق النفط هو مقامرة كبيرة، إذا كانت تنوي إعادة روسيا إلى طاولة المفاوضات. المشكلة في المملكة هي أن روسيا أكثر مرونة من انخفاض الأسعار مما هي عليه، فقد أضافت إلى حد كبير احتياطاتها من النقد الأجنبي بينما تضاءلت الوسيلة المالية السعودية منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014. لا يزال لدى المملكة العربية السعودية احتياطيات مالية كافية، لكن فترة طويلة من انخفاض الأسعار ستؤدي إلى توتر الموازنة السعودية، وتقويض ثقة المستثمرين، وتؤدي إلى تكهنات حول تخفيض قيمة الريال السعودي. وإذا أجبرت هذه العوامل المملكة العربية السعودية على عكس مسارها قبل أن تستسلم روسيا، فإن سياسة المملكة النفطية تخاطر بفقدان مصداقيتها.

ثانياً: انهيار اتفاقية إنتاج "أوبك بلس" في فيينا يهدد بإلحاق أضرار طويلة الأمد بالكتلة. في السنوات الأخيرة، واجهت أوبك تحديًا كبيرًا من جراء زيادة إنتاج النفط الصخري وتراجع حصة أوبك في المعروض العالمي من النفط. وإمكانية انسحاب روسيا من اتفاق التعاون ينطوي على خطر تقويض قدرة المنظمة على إدارة أسواق النفط بشكل فعال.

ثالثاً: قد يكون الخاسر الأكبر في الخلاف السعودي الروسي هو صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة.  وإذا استمر سعر النفط الحالي في الولايات المتحدة والذي يبلغ حوالي 30 دولارًا للبرميل لفترة طويلة، فستحدث حالات إفلاس واسعة النطاق للشركات الأمريكية. وحتى الشركات ذات الميزانيات الأقوى ستكون محظوظة لمجرد الحفاظ على مستويات الإنتاج والأرباح. وسوف ينخفض ​​عدد منصات الحفر في الولايات المتحدة بشكل كبير. وهذه المرة تختلف عن عام 2014، فقد يستمر تأثير انهيار الأسعار لفترة أطول ويتسبب في ضرر دائم.

رابعًا: تكشف حرب أسعار النفط أن ثورة النفط الصخري تجلب للولايات المتحدة ليس فقط نقاط قوة اقتصادية وجيوسياسية كبيرة، ولكن نقاط ضعف جديدة أيضًا. فجزء من الدافع الروسي لارتفاع أسعار النفط لم يكن فقط إحباطه من كبح الإنتاج لمجرد مراقبة نمو الوقود الصخري في الولايات المتحدة، ولكن أيضًا غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتزايد من السياسة الخارجية الأمريكية، لا سيما العقوبات الأخيرة ضد مشروع خط أنابيب "نورد ستريم 2" والعقوبات على شركة روسنفيت النفطية الروسية. فوجود خصم رئيسي للولايات المتحدة يعتقد أنه يمكن أن يسبب ألمًا لها من خلال دفع أسعار النفط إلى الانخفاض، يكشف فقط عن قدرة النفط الصخري على تغيير الأنماط التقليدية الجيوسياسية للطاقة. وتكشف خطوة موسكو أن "هيمنة الطاقة" الأمريكية لها حدودها.

خامساً: انهيار أسعار النفط في عصر النفط الصخري يعني أن هناك فائزين وخاسرين مختلفين عما كان عليه الحال في الماضي. فستتعرض المناطق المنتجة للنفط في الولايات المتحدة لضربات اقتصادية أكبر: ليس فقط استثمارات الشركات ودخل الأسر، ولكن القاعدة المالية للمجتمعات المحلية، التي تؤثر على التعليم والبنية التحتية والخدمات العامة الأخرى. وبالنظر إلى تأثير أسعار الوقود (البنزين) على  جيوب الناخبين، فإن جهود بوتين لإلحاق الأذى بالولايات المتحدة بسبب ارتفاع الأسعار قد تنتهي في النهاية بمساعدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سنة انتخابية، مع تراجع أسعار الوقود بسبب انخفاض أسعار النفط. لكن الفوائد السياسية لانخفاض أسعار النفط بالنسبة للرئيس الحالي يصعب رؤيتها عندما يكون انهيار الأسعار مدفوعًا بتراجع اقتصادي.

تعليق عبر الفيس بوك