علي بن سالم كفيتان
alikafetan@gmail.com
يمتلك المتحمِّسون للمشهد السياسي الداخلي في السلطنة طاقة تغييرية هائلة هذه الأيام، لم تكن موجودة من قبل؛ فالعهد الجديد بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق -أيَّده الله- غذَّى هذا الاندفاع، ومنح أملًا كاد يذوي مع الأيام مساحة جديدة اندفع إليها الجميع، ليجدوا ما افتقدوه من حنان القائد المؤسِّس -طيَّب الله ثراه- ومكرُماته التي لطالما أسعدتهم وخففت عن كاهلهم الكثير من هموم الحياة اليومية.
إنَّ إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة أحد مُرتكزات خطاب جلالته -أيَّده الله- ولا شك أنها خُطوة مهمة في إطار التجديد، لكنها لن تكون مهمة سهلة؛ فليس الأمر كما يطرح البعض في مواقع التواصل الاجتماعي: دمج الوزارات والهيئات والشركات التي تتقاطع اختصاصاتها، بل يجب أنْ نفكر مليًّا بالكوادر البشرية التي تحتويها تلك المؤسسات، وما هو مصيرها؛ فتكديسها مُجددا في مؤسسات أقل لن يكون حلًّا، بل سينقل التخمة والترهل الإداري لمواقع أخرى، وهذا لن يُوجِد واقعاً جديداً؛ فاختصار مناصب الوزراء وزيادة الوكلاء أمران سيَّان؛ فلو تخيلنا على سبيل المثال دمج ثلاث وزارت معًا بالنتيجة، سنوفر مقعدين وزاريين، لكن مقابل ذلك سيُصبح لتلك الوزارة ثلاثة وكلاء على الأقل بدلًا من واحد، مع أعداد هائلة من الموظفين سيتم تكديسهم في الوزارة المستحدثة. ربما نحن بحاجة للتفكير خارج الصندوق لمعالجة هذا الأمر، وقد يكون من خلال إفساح المجال لمن أراد التقاعد المبكر، ومنحه راتبه كاملا حتى بلوغ سن التقاعد الرسمي؛ ففي كِلتا الحالتيْن الدولة مُلزَمة براتبه الكامل، حتى بلوغه ذلك العمر، لكن مغادرة الكثير من هذه الطاقات التي ما زالت قادرة على الإنتاج سيُنعِش القطاع الخاص، وسيُفسح المجال لتوظيف الشباب في القطاع العام، وفق منهجية الحاجة الفعلية للعمل، وليس على أساس مبدأ الظفر بالوظيفة العمومية، ومن هنا سنصل للحكومة الرشيقة.
... إنَّ عملية إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة يجب أن تنظُر بعناية لتطوير آليات الحكم المحلي من خلال كبح جماح المركزية؛ بحيث تكون سمة مميزة للعهد الجديد؛ فمركزية القرار تخلق الكثير من التحديات في الأقاليم والمحافظات البعيدة عن العاصمة؛ حيث لا يتمتع المسؤولون المحليون بالصلاحيات الكافية التي يستطيعون من خلالها خدمة الانسان أينما وجد دون الرجوع لمصدر القرار البعيد عنه جغرافيًّا وحتى إداريًّا إلا عبر الحقائب البريدية الراحلة ذهاباً وإياباً لأمور يُمكن أن تمنح قراراتها لمسؤولين محليين، ولا تحتاج لموافقة السلطة العليا في العاصمة، والأمر ذاته في القضايا التنموية؛ فتركُّز كل المؤسسات ومُتخذي القرار الفعليين في العاصمة تطلَّب تنمية مضاعفة لها في ظل تراجع الخدمات التنموية في المحافظات، وهذا أمر ملموس يجده الجميع عند ذهابهم من العاصمة إلى المحافظات؛ فمركزية القرار وتوافر الخدمات، ووجود المصالح، كلها ميزات تجذب الكتلة السكانية للعاصمة والعكس صحيح. فلكم أن تتخيَّلوا لو منحت كل محافظة في السلطنة مُوازنتها المالية المستقلة حسب عدد سكانها وأهميتها الاقتصادية وموقعها الحيوي، ومنح المحافظ صلاحيات واسعة؛ بحيث تتبع له جميع الجهات الحكومية، لا شك أن هذا سيُوجِد فرقاً كبيرا في هيكلة الحكم المحلي، ورضا المواطن ونمو المحافظات.
لذلك؛ من الضرورة بمكان أن لا ننظر بعين واحدة لهيكلة الجهاز الإداري للدولة؛ من خلال دمج الوزارات، واختصار عدد الوزراء فحسب، بل يجب أن يُواكب ذلك هيكلة واعدة لنظم الحكم المحلي، وتخلي المركز عن الكثير من الصلاحيات لصالح المحافظات.
ومن نافلة القول هنا أنَّ نذكر تجربة محافظة ظفار منذ مطلع السبعينيات وحتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي؛ حيث منح الوالي آنذاك صلاحيات واسعة، فأصبح المسؤول الأول عن كل الخدمات من الإسكان وحتي الصحة والبلديات والتعليم... وغيرها؛ فخطت المحافظة خطوات تنموية جبارة خلال فترة زمنية وجيزة، إلا أن تقليم تلك الصلاحيات أو التنازل عنها من قبل المحافظين لاحقاً لصالح المركز أبطأ حركة النمو بشكل تدريجي، وجعلها تقف غير بعيدة عن نظيراتها في السلطنة، ويُمكن للذين طُلب منهم إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة العودة لهذه التجربة الرائدة، والاستفادة منها في العهد الجديد لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أيَّده الله.
لديَّ يقين بأنَّ آلاف الموظفين المتمركزين في العاصمة، وهم في الأصل من محافظات أخرى، والذين يأتون إليها يوميًّا أو أسبوعيًّا للعمل، سيتم نقلهم وتثبيتهم في محافظاتهم، إذا تمَّ منح هذه المحافظات صلاحيات إدارية ومالية واسعة؛ وبالتالي سيقل الضغط على المركز، وسيخلق ذلك وئامًا اجتماعيًّا وتنمية اقتصادية متزنة في مختلف ربوع البلاد.
حفظ الله بلادي، وأيَّد سلطانها المعظم؛ لما فيه خير البلاد والعباد.