كيف تصنع فاسدًا؟!

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

الفساد صناعة الدول المتخلفة بامتياز، دول تضع القوانين والتشريعات ثم لا تتقيد بها، وعن طريق هذه الصناعة "العبقرية" يخرج الأثرياء المنتفعون، ويبرز أنصاف المتعلمين، وينتشر الوباء الاجتماعي بكافة أشكاله وألوانه..

فهذا الفاسد ينتشر و"يفرّخ" أعوانا وأتباعا ومريدين، وبهم يتغلغل في مفاصل الدولة، ويسبح في تياراتها المختلفة، وحتى إن خرج هذا المفسد من السلطة الرسمية يكون قد زرع أذرعا مختلفة في كل مكان، تعينه على قضاء "منافع" ما بعد السلطة.

وليس على الفاسد سوى اتباع عدة خطوات تمكنّه من القبض على رقبة الإدارة، وتوجيه دفة المؤسسة إلى ما يريد حسب أهواءه، وأغراضه، وميوله، والتخلص من النباتات الجيدة، والعقول الذكية، والنفوس التي لا تتبع نهجه، كي يخلو له الجو، ويستقر له المكان..وتتوسّع دائرة الفساد، ويتبع في ذلك عدة خطوات، نلخصها في الآتي:

  1. زرْع مسؤولٍ (رئيس وحدة مثلا) عديم الذمّة في رأس هرم المؤسسة، يكون مرتبطا بـ"لوبي" تجاري، أو سياسي مسيطر في الأماكن الحسّاسة بالدولة.
  2. يقوم هذا المسؤول بإنتاج كوادر في الإدارات المتوسطة والصغرى خاضعة لسلطته المباشرة، وتغذيتها بالسلطات، وإطلاق يدها في المؤسسة، وعدم محاسبتها على الأخطاء، وتشجيعها على الفساد بشكل قانوني!
  3. تقوم هذه الكوادر بإعادة إنتاج كوادر أصغر منها، ضمن دائرة يمكن توسعتها أو تضييقها حسب الحاجة، والمصلحة، كي تشكّل حاجزا يقيها ويقي مسؤولي الإدارات العليا من المساءلة والمسؤولية، وتقديم هذه الكوادر الصغيرة كأكباش فداء عند الحاجة.
  4. تفصيل القوانين والتشريعات على مقاس المصلحة الخاصة، وعلى ما تقتضيه مصالحهم الخاصة، وتغليف القرارات بغلاف وطني حتى يقبله الشارع، ويؤيده.
  5. الاعتراض على كل قرار غير متوافق مع المصلحة الخاصة، والوقوف في وجه كل إصلاح، والعمل على إضعاف القرار وتجريده من قوته، أو الغائه فيما بعد، لكونه غير متوافق مع "المصلحة العامة"!
  6. إبقاء ثغرات قانونية متعمّدة في التشريعات لكي ينفذ منها المسؤول الكبير، ويبرر بها عبثه، وتلاعبه، ولا تتم محاسبته في حالة اكتشافه.
  7. التخلّص من كل المسؤولين الذين لا يتفق معهم هذا المسؤول الكبير، أو تهميشهم، أو نفيهم إلى المناطق البعيدة، كي لا يكونوا قريبين أو مؤثرين في صنع القرار.

هذه الخطوات السبع تصنع دولة فاسدة، تشجع الفساد، ولا تقضي عليه، ترفع الشعارات، ولا تطبّقها، تحارب الكوادر الوطنية، وتمنع وصولها إلى سدّة القرار، وهي- إن وُجدت- في أي دولة، فأبشر معها بالسقوط الأخلاقي، والاجتماعي، والانحطاط الإداري، والتسيّب المالي، وخلْق مجتمع قائم على المصلحة الأنانية والذاتية، التي تسعى لتكريس الطبقية، والمحسوبية، وهي بذلك تدق إسفينا في نعش أي دولة في العالم، وتتشكّل معها الكثير من الأوبئة التي تنخر في عظام الأمة مثل: الرشوة، والواسطة، والفساد المالي والإداري، وغيرها، ولذلك فإنّ بتر يد "الدولة العميقة" التي تتحكّم في مفاصل ومقدرات الدولة، هو أولوية لكل نظام أمين وصادق يريد المضيّ قدما في طريق البناء والتنمية، والمستقبل.