الإصلاح الاقتصادي.. والاستراتيجية التنافسية

 

فايزة سويلم الكلبانية

faiza@alroya.info

(1)

مايكل بورتر صاحب القوى الخمس في "الاستراتيجية التنافسية" كان ذات يوم محور الحديث الذي دار بيني وبين أستاذي المكرم حاتم الطائي رئيس التحرير عندما كنا نتناقش حول تطورات الأوضاع الاقتصادية السريعة حولنا، ناصحا إياي بضرورة الاطلاع على هذه القوى الخمس وما تتخللها من أفكار قد تغير مجرى العمل في كل مؤسسة إذا ما اتبعتها إدارة تلك المؤسسة فعلا.

 

(2)

وتأتي خلاصة ما يوصي به مايكل بورتر في "الاستراتيجية التنافسية" متمثلا في قوله إنّ التحدي الذي نقف أمامه اليوم فعلا يتمثل في ضرورة مضاعفة آليات تقليل المصاريف والاستهلاك بأي مؤسسة وفي المقابل نستمر في تقديم خدمات أو منتجات أفضل ولكن بتكاليف أقل نتيجه لانخفاض الدخل، ولهذا لابد وأن تواصل الحكومة العمل نحو فكر وثقافة الترشيد للاستهلاك والإنفاق "غير المرغوب به" ويثقل ميزانية خزينة الدولة، ويجعل الوضع الاقتصادي في تراجع في ظل البطء في استحداث آليات فاعلة لمواجهة الصرف الذي يأبى أن يتوقف بالرغم من الإجراءات التي اتخذت سابقا إلا أنه لا يزال هناك نوع من "البهرجة" و"الاستهلاك" في البروتوكولات والالتزامات المختلفة مهما كان تفاصيلها صغيرة، إلا أنّ تقليصها سيكون لها أثر إيجابي على ميزانية الدولة اليوم، ولنبدأ بأعلى الهرم قبل نهايته أو وسطه  للوصول لــ"إدارة رشيقة بعدما تراكمت حولها كثير من الشحوم" التي لابد من التخلص من أثقالها لنتمكن من مواصلة الحياة بالشكل المطلوب دون المساس بمعيشة المواطن الذي لا حول له ولا قوة فعلا أكثر مما هو عليه اليوم، فالعبء "ثقيل" على المواطن البسيط بدخله.

(3)

مايكل بورتر صاحب كتاب الاستراتيجية التنافسية يرى أنّ "المنافسة في الصناعة ليست مسألة صدفة أو حظ، بل المنافسة لها جذور في الهيكل الإقتصادي الأساسي وسلوك المنافسين الحاليين". وفي ملخص لكتابه "الاستراتيجية التنافسية"، عمل فيه على توضيح فكرة القوى الخمسة الرئيسية في استراتيجية التنافسية بين الشركات والمؤسسات، لتحليل أوضاع الشركات والقوى التنافسية التي تحيط ببيئة العمل فيها، وتتمثل هذه القوى الخمس في "قوة الموردين، ودخول منافسين جدد، والمنافسة الحالية، وتهديد البدائل، وقوة المستهلكين"، فإذا ما تمّ التركيز على فهم هذه القوى بالمؤسسة وتحديد نقاط القوة والضعف فيها سيساعد في التغلب على التنافسية المحيطة وتحسين بيئة العمل للأفضل من خلال تقييم وضع المؤسسة والقوى التنافسية الخاصة بها.

(4)

وللتغلّب على المنافسة والمخاطر التي تهدد أي مؤسسة يرى بورتر أنه لابد من اتباع ثلاثة استراتيجيات رئيسية يجب الأخذ بها واتباعها وتتمثل أولا في " قيادة التكلفة"، حيث دعا للحذر خلال قيادة المؤسسة للإجراءات التي تتخذها لتقليل الاستهلاك والإنفاق والتكاليف المترتبة على هذا الترشيد من خلال "الخبرة والرقابة على التكلفة والمصاريف الثابتة، والإشراف الاداري الفاعل بشكل جيد، والمحافظة على جودة المنتج أو الخدمة"، أمّا الاستراتيجية الثانية فتتمثل في "التميز" وهنا يرى بورتر أنه لابد وأن تعمل كل مؤسسة على تقديم خدمات أو منتجات مميزة عن منافسيها، وذلك بعد اطلاعها على عيوب ونقاط الضعف لدى هؤلاء المنافسين فيأخذ ما هو إيجابي لتفادي هذه العيوب وجذب المزيد من العملاء، والتميز بعلامة تجارية عالية الجودة والطلب من المستهلكين. أمّا الاستراتيجية الثالثة فتتمثل في "التركيز"، وذلك من خلال أن تعمل كل مؤسسة على ابتكار خدمة أو منتج استثنائي لا يمكن للسوق الاستغناء عنه، واتباع استراتيجيات تسويقيه وترويجية لتساعد على انتشار المنتج في نطاق واسع من الأسواق، نتيجة لما يتميز به هذا المنتج أو الخدمة من جودة وكفاءة عالية تساعد على جذب ثقة وطلب العملاء والاستمراية للمؤسسة.

(5)

اليوم جميعنا- حكومة وقطاع خاص وشعب- بحاجة إلى مراجعة فاتورة الاستهلاك والنفقات التي اعتدنا عليها في حياتنا اليومية، ولابد من مضاعفة الجهد للتخلص من "البهرجة" التي وضعنا فيها أنفسنا، ومما لاشك فيه أنّه وفي السنوات الأخيرة الماضية بدأت بوادر وتوجهات ترشيد الإنفاق الحكومي من خلال اتخاذ بعض القرارات، والتي قد يكون البعض منها غير مقبول لدى المواطنين، ولكن من منطلق ما يقال عنه بأنه "شر لابد منه" وعلى رأسها وقف الترقيات التي أثارت الشارع عامة، ولكن الحل لترشيد الإنفاق يجب أن يتضاعف عما تم سلفا، سواء من خلال اتخاذ إجراءات الدمج بين الصلاحيات والمؤسسات وخاصة تلك التي نرى بأنّها متعلقة صلاحياتها وإجراءاتها ببعض فمنها سيكون ترشيد في الاستهلاك سواء مصاريف المباني والصيانة وتقليل استهلاك الكهرباء والمياه والصلاحيات وتسهيل الإجراءات لأي معاملات ذات علاقه بدلا من تعدد الجهات ذات الهدف الواحد أمام المواطن أو المستثمر ستكون أكثر سهولة ويُسرا، هذا مع الإبقاء على الأيدي الوطنية العاملة مع إعادة توزيع الموظفين وفقا لهيكلة العمل في المؤسسات.