كفى جلدًا للذات!

 

 

أحمد السلماني

طَيفٌ واسع ومُهم من الإعلام والوسط الرياضي، لا همَّ له سوى البحث عن الإخفاقات والزلات بالاتحادات واللجان والأندية، ليبدأ في أسطوانة مللنا سماعها من كَثرة ترديدها، وحتى لو كانت حقيقة، فلابد أن لا نجعلها مُطلقة، ومن غير المعقول أنَّ كل هذا الحراك الرياضي والجهد الوافر في المشاركات وتنظيم المسابقات ومستوياتها الفنية، كلها سيئة ومتدنية، ومن غَير المُستساغ أن تظل الصورة قاتمة السواد دائمًا؛ فالليل يتبعه ضوء النهار.

منصَّات كثيرة ومتنوعة للطرح الإعلامي، كفل لها النظام الأساسي للدولة حرية التعبير، وأكد على ذلك جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في خطابه التاريخي قبل أيام، ولكن كُنت أتمنَّى أن نَفهم عُمق ومدى هذه الحرية في أن تتم داخل إطار المسؤولية من حيث عواقب كل كلمة تُنطق وحرف يُكتب وقوة التأثير الهائلة لهما، خاصة عندما تصدر عن كاتب أو صحفي أو إعلامي أو شخصية عامة واعتبارية لها حضور واسع النطاق، ولكلٍّ وجهة نظره التي تستوجب احترامها، ولكن من الضروري بمكان قراءة المشهد العام المحيط، والعامل الزمني والمرحلة المفصلية التي تعيشها السلطنة هذه الأيام بتجدد نهضتها، والتي تستوجب من الجميع توجيه بوصلة المزاج العام باتجاهٍ يَضْمن التحفيز والتطلع بنظرة إيجابية تعكس رسالة للعالم والمنطقة بأنَّ نهضة عُمان المتجددة قادمة لتغيير واقع كل شيء وفي شتى المجالات؛ وأهمها تلك المتعلقة بالشباب الذي يحظى بمساحة واسعة من اهتمامات مولانا المفدى -حفظه الله- برغبته في الاستماع له والرياضة ضمن هذا الإطار والحمدلله.

من المهم جدًّا تبنِّي النقد البناء وتحليل مكامن الخلل وتحديده وطرح الحلول؛ فهذا واجب الإعلام الرياضي، ولكن استمرارية طرح نفس الموضوع على ذات الموال، وجلد الذات المتكرر، من شأنه ترسيخ صورة نمطية بضعف المسابقات فنيا، وتدني القدرة التنافسية للرياضي العماني، وتصدير هذه الصورة للخارج، وهنا مَكمَن الخطورة في رسوخ عقدة الدونية لدى اللاعب العماني، خاصة النشء، واستقواء الخصم عليه لمجرد أنه يواجه "رياضي مهلهل معنويا".

ولطالما وجهت الدول والجيوش العالمية الإعلام المعنوي باتجاه تحفيز وتفجير طاقات جنودها، وفي المقابل تبث المعلومات المغلوطة والمثبطة في صفوف أعدائها لتحقيق النصر، وميدان الرياضة هو رديف وانعكاس لما يحدث في الحروب العسكرية؛ فالكوريون مثلًا عاملوا الأسرى الأمريكان إبان الحرب الكورية معاملة حسنة، ووفروا لهم كل شيء، ولكنَّ المستغرب أنه لا يكاد يمر يوم إلا ويموت أحدهم، وعندما سُئِل أحد الأسرى المحررين، قال: "لقد كان الكوريون يبثون لنا أخبارًا سيئة وكارثية عن بلادنا وأهلينا، وهذا كان يميت القلب ويشل التفكير".

هي دعوة صريحة للطيف الإعلامي الرياضي بشكل عام بضرورة انتهاج سياسة نقد بناء وزيادة جرعات الاهتمام بالرياضي والفني والإداري وإبرازها، فما أراه أنا اليوم أن المستوى الفني لدوري أضواء كرة القدم لدينا في ارتفاع من جولة لأخرى، وحدة المنافسة في القمة لتحقيق اللقب والقاع للهروب من شبح الهبوط على أشدها، وتمَّ الأخذ برأي الإعلام والجمهور والاتجاه نحو مدرسة متفوقة في عالم كرة القدم لتدريب المنتخب ووضع رؤية عامة لكرة القدم، كما أن الصورة الجميلة التي ظهر عليها نادي السلام وقدرته التنافسية العالية على مواجهة أندية لها باعٌ طويل وكبير في الكرة الطائرة في البطولة العربية، ومعه نادي السيب ولو بنسبة أقل، ينبئ بمستقبل جيد للكرة الطائرة... وهكذا في باقي الرياضات، ولا ننسى حراك اللجنة الأولمبية وتعاونها مع الوزارة والاتحادات واللجان الرياضية.

وفي المقابل، فإنَّ الطرح الإعلامي المسؤول في حال الإخفاق أو اكتشاف خلل ما في مؤسسة رياضية مطلب ضروري، وليس كل ما نعرفه ننشره، إذ إنَّ هناك وسائل توجيه أخرى؛ أهمها: الحوار الإيجابي الشفاف مع الإعلام الرياضي بوضعه في الصورة العامة وكافة الظروف المحيطة من شأنه أن يطور أداء تلك المؤسسة، ويبني جسورا من الثقة، وكل ما طرحته سلفا هو في خُلد كل إعلامي، ولكن "ذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين".